فصل: البحث السابع تشريح المشيمية ما يأتيها من العروق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون **


  القسم الثاني تشريح الأعضاء الآلية

وهو عشرون فصلاً

  فصل معرفة الرأس وأجزائه

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه قال جالينوس‏:‏ إن الغرض في خلقة الرأس هو الدماغ ولا هو السمع ولا الشم ولا الذوق ولا اللمس فإن هذه الأعضاء والقوى موجودة في الحيوان العديم الرأس‏.‏

إلى قوله‏:‏ ثم العظيم الذي هو القاعدة للدماغ‏.‏

الشرح المراد ها هنا بالرأس العضو المشتمل على الدماغ الموضوع في أعلى البدن ورأس الإنسان‏.‏

إذا قيس إلى بدنه كان أعظم نسبة من رؤوس باقي الحيوانات إلى أبدانها وسبب ذلك أمور‏:‏ أحدها‏:‏ أن الإنسان يحتاج أن تكون له قوة الفكر والذكر وذلك يحتاج إلى أرواح كثيرة فلذلك احتيج أن يكون لتلك الأرواح مكان متسع ولا كذلك غيره من الحيوان فإنه ليس له هذه القوى‏.‏

وثانيها‏:‏ أن أرواح دماغ الإنسان يحتاج فيها أن تكون صافية ليجود فكره وإنما يمكن ذلك إذا لم تخلط فيها أبخرة كثيرة ورأس الإنسان يحتاج فيها أن تكون صافية ليجود فكره وإنما يمكن ذلك إذا لم تختلط فيها أبخرة كثيرة ورأس الإنسان في أعلى بدنه فهو في جهة تصعد إليه الأبخرة من معدته ومن جميع بدنه‏.‏

فلذلك يحتاج الإنسان أن يكون رأسه كبيراً جداً ليتسع لما يتصعد إليه من أبخرة من غير أن يحتاج تلك الأبخرة بسبب ضيق المكان إلى مخالطة أرواحه‏.‏

ولذلك احتيج أن تكون عظام رأس الإنسان متخلخلة واسعة المفاصل قليلة اللحم الذي فوقها ليكون ذلك أعون على تحلل تلك الأبخرة‏.‏

فلذلك فإن من رأسه كثير اللحم فإن فكره ضعيف فاسد ومن كان رأسه قليل اللحم فهو أصح ذهناً وبسبب أن رأس الإنسان في أعلى بدنه والأبخرة متصعدة إليه كثيراً صارت النزلات وغيرها من الأمراض الدماغية تكثر في الإنسان فلذلك يكثر بالإنسان السعال والزكام والبحوحة‏.‏

وكذلك يكثر ازدياده وتكثر الرطوبات في عينيه ولا كذلك غير الإنسان‏.‏

وثالثها‏:‏ أن الإنسان يمشي منتصب القامة وذلك مما يحتاج فيه إلى قوة من الأعصاب والعضلات المحركة له الحركة التي يلزمها ذلك ولذلك يحتاج الإنسان إلى أعصاب قوية وكثيرة وإنما يمكن ذلك إذا كان دماغه كبيراً ونخاعه كبيراً قوياً‏.‏

وإنما يمكن ذلك إذا كان رأسه عظيماً وكانت عظامه صلبة عظيمة وجميع الحواس وكذلك جميع أجزاء الرأس فإنها لا يحتاج فيها أن تكون مرتفعة وفي أعلى البدن إلا العينين فإنها إنما تكون منفعتها كثيرة تامة إذا كانت مرتفعة جداً وسبب ذلك لأن الارتفاع يزيدها قوة إدراك أو هو زيادة إدراك لما هو بحذائها فإن الإبصار إنما يتم بالمحاذاة‏.‏

أي بأن يحاذي الرائي للمرئي أو يحاذي صقيلاً يحاذي المرئي كما في رؤية الشيء في المرآة‏.‏

وهذا يتم سواء كانت العين مرتفعة أو منخفضة ولكن العين المرتفعة ترى أكثر مما إذا كانت غير مرتفعة‏.‏

وسبب ذلك ليس زيادة قوتها أو زيادة إدراكها بل إن تشكل الأرض كرة فالبعيد جداً ما هو على ظاهر الأرض ينستر عن الرؤية بحدبة الأرض وبيان هذا ليكن الأرض كرة ب ح د والمرئي د والرائي البعيد ب والقريب ج ق لا يراها البعيد لأجل انستاترها عنه بحدبة الأرض ولا كذلك ج القريب ونحن إن شاء الله تعالى نحقق الكلام في هذا إذا نحن تكلمنا في كيفية الرؤية بالعين وذلك عند كلامنا في أمراض العين‏.‏

ولتعلم الآن أن العين تحتاج أن تكون في أعلى موضع من البدن ويحتاج ذلك أن تكون قريبة جداً وذلك لما تعلمه حيث نتكلم في كيفية الرؤية وإنما يمكن ذلك إن كان الدماغ موضوعاً في أعلى البدن وإنما يمكن ذلك إذا كان العضو الحاوي له كذلك‏.‏

فلذلك يجب أن يكون الرأس في أعلى البدن فلذلك المحوج إلى خلقة الرأس أعني العضو العالي المحاذي للدماغ إنما هو العينان‏.‏

قوله‏:‏ فإن قياس العين إلى البدن قريب من قياس الطليعة إلى العسكر لاشك أن جميع الحواس مشتركة في أنها تحرس البدن من الآفات فإن الشم يحرس من التضرر بالرائحة الرديئة القتالة وذلك بأن تحد تلك الرائحة من آلة الشم لما يحوج ذلك إلى التنحي عنها‏.‏

وكذلك هذه الحاسة تجلب للبدن النافع من الرائحة لأن آلة الشم تلتذ بتلك الرائحة فيدعو ذلك إلى الاستكثار منها وكذلك حاسة الذوق تحرس البدن من تناول الأشياء الضارة والقتالة بتألم تلك الحاسة بها عند نفوذ الأجزاء المنفصلة عنها النافذة مع الريق إلى باطن اللسان وكذلك هذه الحاسة تجلب الأشياء النافعة للبدن وذلك بأن تلتذ الحاسة بطعومها فتحرض النفس على الاستكثار منها وكذلك حاسة السمع تحرس البدن عند الضرر بملاقاة الأصوات الضارة بأن تتألم بها هذه الحاسة وتجلب إلى البدن النفع بالأصوات النافعة بأن تلتذ هذه الحاسة فتحرض النفس على استماعها والاستكثار منها‏.‏

وكذلك حاسة اللمس تدفع عن البدن ضرر ما تضر ملاقاة البدن وذلك بتألم الحاسة بقوة بردها مثلاً أو بقوة حرها أو لشدة خشونتها أو صلابتها ونحو ذلك وتجلب إلى البدن النفع بالأشياء التي تنفع ملاقاتها البدن وذلك بالتذاذ هذه الحاسة بها وترغب النفس في ملاقاتها والاستكثار من ذلك ولكن جميع هذه الحواس إنما تتمكن من الشعور بمحسوساتها بعد ملاقاتها لها ومن الأشياء الضارة ما إذا بلغ القرب منه إلى حد الملاقاة فإن القرب منه حينئذٍ قد يكون غير ممكن‏.‏

وأما حاسة البصر فإنها تدرك الأشياء المحاذية لها أو لصقيل يحاذيها وإن بعدت جداً سواء كانت تلك الأشياء ضارة أو نافعة فلذلك هي أولى بالحراسة من غيرها من الحواس إنما يلزم في العين أن تكون قريبة جداً من الدماغ لتكون الروح فيها كما هي في الدماغ حتى يكون الشبح الواقع فيها وهي في العين باقياً على حاله ومقداره إذا حصلت تلك الروح في الدماغ فلا يتغير في شيء من ذلك لأجل تغير حال الروح بسبب التجمع التابع لليبوسة والانبساط والتابع لكثرة الرطوبة ونحو ذلك‏.‏

ورأس الإنسان وما يجري مجراه اشتمل على جملته بسائطها القحف وما يحيط به وتغشيه وما في داخله من المخ والحجب والجرم الشبكي والعروق والشرايين والذي يحيط بالقحف السمحاق ولحم وجلد ينبت فيه شعر الرأس وطول شعر الرأس من خواص الإنسان وسبب ذلك كثرة ما يتصعد إليه من الأبخرة الدخانية وإذا كبر الإنسان قل شعر رأسه لأجل نقصان الدخانية حينئذٍ لأن أرضية البدن لها يعرض حينئذٍ أن تجف فيعسر تصعدها فإن الرطوبة تعين على تصعد الأرضية المتسخنة والقحف من عظام كثيرة لما نذكره بعد ولما ذكرناه في تشريحنا لعظام الرأس‏.‏

وقد صادف الفاضل أرسطوطاليس في تشريحه رأساً لإنسان ليس لعظامه مفاصل وإنما رأسه من عظم واحد‏.‏ فلنأخذ الآن في تشريح الدماغ وكلامنا فيه يشتمل على مباحث تسعة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الأول كلام كلّي في تشريح الدماغ

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما تشريح دماغ الإنسان فإن الدماغ ينقسم إلى جوهر حجابي وإلى جوهر مخي‏.‏ إلى قوله‏:‏ وحده أظهر للحس‏.‏

الشرح لفظ الدماغ يقال على معان‏:‏ أحدها‏:‏ الرأس بجملته فيكون مرادفاً له إلا أن لفظ الرأس يستعمل في التعظيم والمدح‏.‏ والدماغ يستعمل في أضداد ذلك فيستعمل في التحقير والذم‏.‏

ولذلك يقال للعظيم‏:‏ وحق رأسك ولا يقال‏:‏ وحق دماغك‏.‏

وثانيها‏:‏ ما دون القحف‏.‏

فتدخل فيه الحجب والشبكة ونحو ذلك مما في داخل القحف‏.‏

وثالثها‏:‏ نفس المخ وهذا هو المعنى المشهور‏.‏

قوله‏:‏ الدماغ ينقسم إلى جوهر حجابي يريد بالدماغ ها هنا مادون القحف إذ لو أراد الرأس ولو أراد المخ لم يدخل فيه الحجب ويريد ها هنا بانقسام الدماغ إلى الأشياء المذكور لا قسمة العام والخاص‏.‏

وإلا كان لفظ الدماغ يصدق على كل واحد من هذه الأشياء فيقال للحجاب دماغ وكذلك التجويف وليس كذلك بل يريد بهذا الانقسام انقسام الجزء إلى أجزائه وذلك لأن ما دون القحف منه ما هو عضو كالحجب ومنه ما هو رطوبة كالمخ ومنه ما هو بعد كفضاء البطون‏.‏

وقيل المراد بالبطون التجاويف التي هي الأفضية التي في داخل القحف والتي في داخل الأم الجافية أو التي في داخل المخ‏.‏

الظاهر من كلامه ومن كلام غيره أنهم يريدون الأفضية التي يعتقدون أنها في داخل المخ وذلك لأنهم يزعمون أن في داخل المخ تجاويف ثلاثة وأنها مملوءة من الأرواح النفسانية وأن تلك الأرواح هي التي تقوم بها القوى التي بها الحس وهي التي يسمونها الحس المشترك‏.‏

والقوى التي يسمونها الخيال‏.‏

والقوى التي يسمونها الوهم والتي يسمونها تارة مفكرة وتارة متخيلة والقوى التي يسمونها حافظة وذاكرة‏:‏ وأنا إلى الآن لم يتحقق لي شيء من ذلك على الوجه الذي أرتضيه وقولهم إنهم شرحوا وأبصروا الأمر على ما ذكروه مما لا يوقع عندي ظناً فضلاً عن جزم‏.‏

فكثيراً ما رأيت الأمر على خلاف ما ادعوا أنهم صادفوه بالتشريح الذي يدعون أنه تكرر لهم كثيراً‏.‏

قوله‏:‏ وجميع الدماغ منصفاً في طوله تنصيفاً نافذاً في حجبه ومخه وفي بطونه أما بنصف القحف في أعلاه فظاهر‏.‏

وذلك لأنه في باطنه نتوء ذاهب في طوله تحت الدرز السهمي ولهذا النتوء فائدة غير التنصيف ويبقى أن يكون العظم عند اتصاله بالدرز السهمي غليظاً فيكون بذلك متداركاً لما يوجبه الانفصال من وهن الجرم‏.‏

وأما الحجاب الغليظ وهو الأم الجافية فلا يظهر فيها تنصيف البتة إلا بالشعب الذي ينفذ منها في الدرز السهمي وينبث في السمحاق ليرتبط هذه الأم بسبب تلك الأجزاء بالقحف ارتباطاً محكماً فلا يقع على المخ بل تكون معلقة بينه وبين عظام القحف وأما المخ نفسه فإنه ينقسم في طوله بما ينفذ فيه في طوله من الأم الرقيقة‏.‏

وبذلك المنافذ يحدث أيضاً لهذه الأم تنصيف وفائدة هذا التنصيف أن يكون أحد النصفين قائماً بما يحتاج إليه إذا حدث للنصف الآخر آفة وليكون ما يعرض من الآفات لشيء من هذه الأجزاء أعني العظام والحجب والمخ لا يكثر عموم ذلك لباقي جوهرها لآفة عارضة له‏.‏

قوله‏:‏ وإن كانت الزوجية في البطن المقدم وحده أظهر للحس‏.‏

أما ظهور ذلك في عظام القحف فلأجل زيادة غلظ النتوء الذي به تنصيف العظم في مقدم الدماغ وذلك لأجل اتساع ذلك الموضع وكذلك زيادة ظهور ذلك في المخ فإنه لأجل زيادة غلظ النازل منه في مقدمه لأجل كبر ذلك الموضع يظهر ذلك التنصيف أكثر‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثاني مزاج الدماغ وقوامه

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وقد خلق جوهر الدماغ بارداً‏.‏

إلى قوله‏:‏ والجزء المؤخر أصلب‏.‏

الشرح إن الكلام في مزاج الدماغ قد وقع ها هنا بالعرض لأن من جملة ما ينبغي الكلام فيه من التشريح هو قوام الأعضاء فالسبب المحدث لقوام الدماغ هو مزاجه‏.‏

فإن الدماغ يحتاج أن يكون كثير الرطوبة جداً‏.‏

بل الأولى أن يعد في جملة الرطوبات لا في الأعضاء وزيادة الرطوبة يلزمها لين القوام لأن كثرة الرطوبة إنما تكون لزيادة المائية والمائية إذا لم تكن جامدة كانت سهلة القبول للتشكل والانفعال وذلك مما يحتاج إليه في القوام اللين بل لا يتم لين القوام إلا به‏.‏

ومراده ها هنا بالدماغ إنما هو المخ لا غير لأن ما سواه مما يدخل في لفظ الدماغ بالمعاني الأخر فإنه وإن كان بارداً فليس برطب‏.‏

قوله‏:‏ وأما برده قليلاً يشغله كثرة ما يتأدى إليه من قوى حركات الأعضاء وانفعالات الحواس وحركات الروح كل عضو خلق لفعل فإن مزاجه يجب أن يكون مما يعين على ذلك الفعل على ذلك الفعل مثال ذلك القلب فإنه لما كان فعله توليد الروح الحيواني وذلك إنما يمكن بأن يكون في الحرارة بحيث يبخر الدم الواصل إليه من الكبد حتى يصعد ذلك الدم إلى الرئة ويخالط ما فيها من الهواء المثبوت في جرمها فيحصل من المجموع مادة تصلح لأن يتكون منها الروح إذا حصلت تلك المادة في التجويف الأيسر من تجويفي القلب لذلك احتيج أن يكون مزاج القلب شديد الحرارة وكذلك العظم لما احتيج إليه ليكون للبدن كالأساس والدعامة والدماغ وجب أن يكون شديد الصلابة وإنما يمكن ذلك إذا كانت الأرضية فيه كثيرة جداً ويلزم ذلك أن يكون مزاجه بارداً يابساً هذا إذا كان الفعل لذلك العضو‏.‏

أما إذا كان لغيره وتأثير ذلك الفعل يصل إلى عضو آخر كان ذلك العضو ليس يجب فيه أن يكون على مزاج يعين على ذلك الفعل بل قد يجب أن يكون على مزاج ينافيه فعل الدماغ فإنه لما كان يتسخن بأفعال أعضاء وأرواح وكان إفراط ذلك التسخن يلزمه الإضرار به جداً وجب أن يكون مزاجه مزاجاً ينافي الإفراط في ذلك التسخين‏.‏

وإنما يكون ذلك بأن يكون مزاجه بارداً فإن البارد غير مستعد للتسخن الكثير وإن كان فعله قوياً ولذلك وجب أن يكونه مزاج الدماغ بارداً وكذلك نقول في الرطوبة‏.‏

وإنما يمكن ذلك إذا كان ذلك العضو لا يتضرر في أفعاله بذلك المزاج مثل الدماغ فإن فعله تعديل الروح الحيواني حتى يصير صالحاً لصدور الأفعال النفسانية عنه فإنما يتم ذلك بأن يكون مزاجه بارداً رطباً فإن الروح الحيوانية ذات حرارة وقلة رطوبة ولا كذلك القلب فإنه وإن كان يتسخن بكثرة حركاته وحركات الشرايين المتصلة به ونحو ذلك فإن مزاجه لا يمكن أن يجعل بارداً وإلا كان ذلك مضراً له في فعله الذي هو توليد الروح فلذلك خلق حار المزاج وجعل له ما يمنع إفراط تسخنه وذلك بأن يجعل الهواء يصل المبرد إليه في أزمان متقاربة جداً ليمنع إفراط تسخينه‏.‏

قوله‏:‏ ليحسن تشكله واستحالته بالمتخيلات هذا إنما يجب أن تكون معه الرطوبة إذا كان التشكل واقعاً في العضو نفسه‏.‏

أما إذا كان في الروح المحوية فيه فإن ذلك مما لا يلزم البتة والتشكل الواقع عند التخيل والإدراك ونحوهما إنما هو في الروح لا في جرم الدماغ فلذلك لا يلزم بسبب ذلك أن يكون رطباً‏.‏

قوله‏:‏ أما الدسومة فليكون ما ينبت منه من العصب علكاً‏.‏

قد بينا فيما سلف من كلامنا في الأمور الطبيعية أن العصب لا ينبت من الدماغ البتة والعلك هو اللدن الذي مع لدونته لين‏.‏

قوله‏:‏ وليكون الروح الذي يحويه الذي يفتقر إلى سرعة الحركة ممداً برطوبته الروح الذي يحويه الدماغ يحتاج إلى سرعة الحركة وأما الروح المتحرك بالإرادة فليكون للإنسان متى أراد تحريك عضو تحرك ذلك الروح من الدماغ إلى العضل المحرك لذلك العضو في زمان لا تحس قدره‏.‏

وأما الروح المفكر فليكون للإنسان متى أراد الفكر في أمر تحرك ذلك الروح إلى التفتيش في المخزون في الخيال وفي الحافظة ليقع بسرعة على الأمر الذي يتوصل به إلى المطلوب وسرعة حركة الروح يحتاج فيه إلى رقة قوام ذلك الروح وقلة برودته‏.‏

فإن غلظ القوام مانع من سرعة النفوذ وكذلك زيادة البرد فإن البرودة منحدرة مانعة من سرعة الحركة والحرارة معينة على ذلك وإنما يكون الروح لطيف القوام إذا كان الغالب عليه الجوهر الهوائي‏.‏

وذلك إنما يوجب الرطوبة التي هي بمعنى سرعة الانفعال لا الرطوبة البالة المائية ورطوبة الدماغ إنما تكون بكثرة مائيته فلذلك يكون ترطيبها للروح إنما يكون بمعنى الرطوبة البالية وذلك مانع من سرعة الحركة فلذلك قوله إن رطوبة الدماغ مما يعين على سرعة حركة الروح مما لا يصح بوجه‏.‏

قوله‏:‏ وأيضاً ليخف بتخلخله أما أن الأعضاء الصلبة أثقل من اللينة فظاهر لأن هذه الصلابة إنما تكون لزيادة في الأرضية وهي يلزمها زيادة الثقل وإنما قلنا أن زيادة صلابة الأعضاء إنما يكون لزيادة الأرضية مع أن الصلابة قد تفعلها قوة الانعقاد وذلك لأن الحرارة العاقدة للأعضاء كلها واحدة وهي الحرارة الغريزية‏.‏

وإذا كان الفاعل واحداً فإنما يزيد صلابة بعض الأعضاء على بعض إذا كان الاستعداد للصلابة فيها مختلفاً وإنما يكون ذلك بسبب الأرضية فلذلك زيادة صلابة الأعضاء إنما تكون لزيادة الأرضية ويلزم ذلك أن يكون الثقل زائداً وأما أن الرطوبة يلزمها التخلخل فذلك إنما يكون إذا أريد بهذا التخلخل السخافة فإن رطوبة العضو يلزمها سخافة جرمه ولذلك كان لحم الإناث أسخف‏.‏

قوله‏:‏ وذلك لأن الجزء المقدم منه ألين والجزء المؤخر أصلب‏.‏

جميع الأعضاء التي في مقدم البدن ألين من التي في مؤخره وذلك لأن الأعضاء التي في مؤخر البدن غائبة عن حراسة الحواس فيحتاج أن يكون قبولها للانفعال عن المصادمات ونحوها أقل وغنما يمكن ذلك إذا كان قوامها أصلب والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثالث الأجزاء التي ينقسم إليها الدماغ

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وفرق ما بين الجزأين باندراج الحجاب الصلب‏.‏

إلى قوله‏:‏ فجعل الطي دعامة لها‏.‏

الشرح الدماغ يعرض له الانقسام بأمرين وكلاهما بأن يكون ما ينقسم إليه الأجزاء لكن الأشياء التي ينقسم إليها بأحد الأمرين يخص باسم الأجزاء والأشياء التي ينقسم غليها بالأمر الآخر يخص باسم البطون والأشياء التي يخص باسم الأجزاء ليس بعضها بأن يكون أعظم من الآخر أولى من العكس‏.‏

فلذلك يجب في هذه الأجزاء أن تكون متساوية أعني إنها تكون متساوية في القطر الذي انقسمت فيه فلذلك انقسم الدماغ إلى جزأين‏:‏ أحدهما يميناً والآخر شمالاً هما لا محالة متساويان في جميع الأقطار وذلك لأن هذه القسمة إنما كانت ليقوم أحد الجزأين بالأفعال الواجبة في الحياة عند فساد الجزء الآخر وإنما يكون ذلك إذا كان أحد الجزأين مساوياً للآخر في جميع الأقطار حتى يكون أحدهما مثل الآخر حتى تكون جميع أفعاله مثل جميع أفعال الآخر‏.‏

وأما انقسام الدماغ إلى جزأين‏:‏ أحدهما مقدم والآخر مؤخر فيجب أن يكون هذان الجزآن متساويين في الطول إذ ليس أحدهما بأن يكون أطول من الآخر أولى من العكس وأما في العرض والسمك فيجب أن يكونا مختلفين جداً لأن مقدم الدماغ أكثر عرضاً وسمكاً من مؤخره فلذلك يكون الجزء المؤخر من هذين أدق من الجزء المقدم‏.‏

وأما الأشياء التي يخص البطون مما ينقسم الدماغ إليه فإنها يجب فيها أن تكون مقاديرها مختلفة بحسب الأغراض المقصودة منها‏.‏

فالبطن المقدم لما كان محلاً للصور المحسوسة بالحواس الظاهرة والمحسوسة بالبصر منها هي لا محالة مثل المحسوسات الخارجية وتلك المثل إنما يتصور فيما له مساحة فلذلك يجب أن يكون هذا البطن عظيماً جداً حتى يمكن أن يتسع لمثل كثرة الأمور الخارجة‏.‏

وأما البطن المؤخر فإنه لما كان محلاً لمعاني الصور المحسوسة وتلك المعاني هي لا محالة مما لا مساحة لها فلذلك لا يضر فيها صغر المكان ولا يحتاج الكثير منها إلى محل كبير فلذلك جعل البطن المؤخر من بطون الدماغ صغيراً جداً بالقياس إلى البطن المقدم بل هو أصغر كثيراً من كل واحد من جزأيه اللذين أحدهما في اليمين والآخر في الشمال فأما البطن الوسط فإنه لما كان كالدهليز الذي يحتاج إليه القوة التي في مؤخر الدماغ لأن يشرف منه على جميع ما في البطن المقدم من الصور على ما تعرفه بعد وجب أن يكون في مقداره على فلذلك هو صغير جداً بالنسبة إلى البطن المقدم بل هو أيضاً صغير بالنسبة إلى البطن المؤخر لأنه مؤد إليه فالمؤدي لا محالة أصغر من الذي يؤدي هو إليه فلذلك يكون البطن المقدم أعظم كثيراً من مجموع البطنين الآخرين فلذلك الغشاء القاسم للدماغ بنصفين وهو الآخذ عن يمين الدماغ إلى يساره يجب لا محالة أن يقع في بعض البطن المقدم فلذلك هذا الغشاء لا يجوز أن يمر في أعلى الدماغ إلى أسفله على الاستواء وإلا كان يفصل مؤخر البطن المقدم عن مقدمه وكانت الروح التي في مقدم البطن المقدم لا يتمكن من النفوذ إلى مؤخره فلذلك هذا الغشاء إذا قطع سقف البطن المقدم انحرف من التسفل إلى تغشية باطن هذا البطن فتكون فائدة غوص هذا الغشاء في جرم الدماغ هو التمكن من تغشية باطنه وإنما اختص غوصه بمنتصف أعلى الدماغ لأنه لا موضع أولى بذلك من آخر فيجب أن يكون هذا الغوص في الوسط ليكون قسمته على باطن الدماغ على السواء فتكون هذه القسمة عادلة‏.‏

قوله‏:‏ وإنما أدرج الحجاب فيه ليكون فصلاً أي ليفصل الجزء المقدم من الدماغ من الجزء المؤخر‏.‏

وهذا الكلام إنما يصح إذا كان انفصال الجزء المقدم من الجزء المؤخر له فائدة‏.‏

وذلك مما لا يظهر ولو كان له فائدة لكانت تلك الفائدة هي فائدة إدراج الحجاب هناك من غير حاجة إلى توسط كونه فصلاً‏.‏

قوله‏:‏ وقيل ليكون اللين مبرأ عن مماسة الصلب‏.‏ هذا الكلام في غاية الفساد‏.‏

وذلك لأن اللين غنما يجب أن يكون بينه وبين الصلب متوسطاً إذا كان هناك أمران‏:‏ أحدهما أن يكون ما يلاقي اللين من الصلب بضربه‏.‏ وأما إذا كان هذا الانتقال بالتدريج‏.‏

فإن ذلك لا يجب لأن ما يلاقي أحد الجزأين حينئذٍ لا يكون بينه وبين ما يلاقيه تفاوت كثير في اللين والصلابة فلا يمكن لملاقاته له مؤذية ولو وجب هذا التوسط مع الانتقال لو جب أن يكون هذا المتوسط بين كل جزء من اللين وبين الجزء الذي يليه فكان يجب أن يكون غوص هذا الغشاء في مواضع كثيرة جداً وليس كذلك‏.‏

وثانيهما‏:‏ إن توسط شيء بين لين وصلب إنما يجب إذا كان ذلك المتوسط متوسطاً بينهما في الصلابة واللين إذ لو كان مساوياً للصلب في الصلابة لكانت ملاقاة اللين له كملاقاته للصلب المجاور له فكيف إذا كان هذا المتوسط أزيد صلابة من الصلب الملاقي‏.‏ فإن تضرر اللين حينئذٍ يكون بملاقاة ذلك المتوسط أكثر‏.‏

قوله‏:‏ ونحن نعلم بالضرورة أن جرم الغشاء ولو بلغ في اللين إلى أي غاية بلغ إليها فإنه لا يبلغ إلى أن يكون في قوام النخاع فضلاً عن مؤخر الدماغ فضلاً عن توسطه‏.‏

قوله‏:‏ ولهذا الطي منافع أخر أيضاً لحفظ الأوردة النازلة هذا الكلام أيضاً لا يستقيم وذلك لأن الأوردة النازلة إلى داخل القحف هي شعب من الوداج الغائر وهذه الشعب تأتي الغشاء المجلل للقحف وهو السمحاق ويغوص إلى داخل القحف في الدرز السهمي متفرقة في طوله وهذا الدرز إنما يوازيه من أغشية الدماغ الغشاء المنصف للدماغ بنصفين يمنة ويسرة‏.‏

وهذا الغشاء يصلح لحفظ أو ضاع تلك الشعب فتكون هذه المنفعة من منافع هذا الغشاء لا من منافع الغشاء الذي يغوص في جرم الدماغ في منتصف ما بين مقدمه ومؤخره فإن هذا الغشاء مقاطع للدرز السهمي لا على محاذاته وإذا كان كذلك لم يمكن أن يكون حافظاً لأوضاع ما ينزل فيه من تلك الشعب‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الرابع هيئة الموضع الذي تحت الدماغ المسمى بالبركة والمعصرة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه من قوله‏:‏ وتحت آخر هذا العطف وإلى خلفه المعصرة‏.‏

إلى قوله‏:‏ ولم يلحقها صلابة العصر‏.‏

الشرح الموضع المسمى بالبركة يحدث من تسفل وسط الغشاء الصفيق الذي تحت الدماغ‏.‏

وهو الأم الجافية فإن وسط هذا الغشاء أعني وسط ما تحت الدماغ منه يتسفل فيحدث من تسفله تجويف أعني وهدة‏.‏

وهذه الوهدة مستديرة المحيط متدرجة في التسفل ولذلك أكثر تسفلها في وسطها فلذلك تسمى البركة لأنها على هيئة البركة التي تسمى في العرف العام‏:‏ طشتية‏.‏

وإلى هذه البركة تتوجه أطراف كثيرة من الأوردة النافذة في جرم الدماغ فيخرج الدم من فوهاتها إلى هذه البركة ولذلك تسمى أيضاً المعصرة‏.‏

لأن العروق كأنها تنعصر إليها حتى يخرج منها الدم إليها وهذه المعصرة موضوعة تحت آخر هذا الطي أعني الغشاء الذي بينا أنه ينفذ في وسط جرم الدماغ ما بين مقدمه ومؤخره وإنما كانت المعصرة مع أنها تحت آخر هذا الغشاء فإنها موضوعة إلى خلفه أي أنها تميل إلى خلفه قليلاً فتكون منحرفة عن وسط الدماغ في طوله إلى خلفه بقدر يسير وسبب هذا الانحراف أن تكون قريبة من الأوردة النافذة في الدماغ فإن أكثرها إنما ينفذ إلى داخل الدماغ من خلفه وذلك من ثقب موضوع في أعلى الدرز اللامي على ما بيناه في تشريح الأوردة والغرض بذلك أن يصل الدم إليها بسرعة قبل نفوذ تلك العروق إلى قرب مقدم الدماغ فيسخنه بأكثر ما ينبغي لأن الدم في أو ل نفوذ هذه العروق إلى الدماغ يكون بعد حاراً بما هو دم وبما يخالطه من الصفراء الكثيرة التي لابد من مخالطتها له وإلا لم يسهل تصعده إلى الدماغ‏.‏

فلذلك جعلت هذه المعصرة أميل عن وسط طول الدماغ لتغذية الدماغ ثم إلى مؤخره ليصل إليها الدم بسرعة فيتعدل فيها حتى يصلح بعد ذلك ينفذ فيها إلى جميع أجزائه وإنما احتمل مؤخر الدماغ نفوذ الدم الحار فيه من غير أن يتضرر بذلك لأن هذا المؤخر أشد برداً من المقدم‏.‏

فلذلك الدم الحار يرده إلى قرب الاعتدال قليلاً وهذا من جملة الأسباب التي أو جبت نفوذ أكثر الأوردة والشرايين إلى الدماغ من جهة مؤخره‏.‏

قوله‏:‏ وهذا الطي ينتفع به في أن يكون منبتاً لرباطات الحجاب الصفيق بالدماغ في موازاته الدرز من القحف الذي يليه وفي بعض النسخ الحجاب اللصيق بالدماغ ومعنى هذه النسخة أن من جملة منافع هذا الطي أعني القاسم للدماغ إلى جزء مقدم وآخر مؤخر أنه ينبت منه أجزاء يرتبط به الغشاء اللصيق بالدماغ أعني الأم الرقيقة بالدرز من القحف وهذا الدرز الذي يلي هذا الطي أي الذي يحاذيه‏.‏ وهذه النسخة لا تصح‏.‏

فإنه لا درز في القحف يحاذي هذا الطي هو في وسط ما بين مقدم الدماغ ومؤخره وليس في وسط القحف درز من يمين الرأس إلى يساره حتى يكون محاذياً لهذا الطي وكذلك النسخة التي كتبناها أو لاً لا تصح أيضاً لما قلناه ولأن الأجزاء التي تصل بين الحجاب الصفيق والدرز السهمي الممتد بطول القحف إنما تتصل من ذلك الحجاب الصفيق لا من هذا الطي فإن تلك الأجزاء بعد نفوذها في ذلك الدرز تنبت في السمحاق لتعلق بها الأم الجافية فلا يقع على الدماغ‏.‏

وأما الأم الرقيقة فلا حاجة بها إلى انفصال أجزاء منها إلى القحف فإن ذلك تلزمه كثرة الثقوب في الأم الجافية من غير حاجة الأم الرقيقة لا تحتاج إلى أن يتعلق بشيء حتى تستقل عن الدماغ قوله‏:‏ وفي مقدم الدماغ منبت الزائدتين الحلميتين اللتين يكون بهما يكون الشم في وسط مقدم الدماغ من قدام زائدتان شبيهتان بحلمتي الثدي وهما الآلة في الشم على ما نبينه بعد وجرمها متوسط في الصلابة واللين بين الدماغ والعصب فهما ألين من العصب وأصلب من الدماغ فلذلك قوامهما قريب من قوام النخاع وأميل منه إلى الصلابة قليلاً وإنما جعلتا في مقدم الدماغ لتكون رطوبته غذاء لهما بالنداوة فلا يعرض لهما جفاف يصلهما وإنما جعلا في وسط ما بين يمين هذا المقدم ويساره ولأن هذا الموضع أرطب أجزاء المقدم وإنما احتيج أن تكون آلة الشم شديدة اللين لأن محسوسها هو الكيفية التي تجذب في الهواء المستنشق وجميع ذلك الأجل ضعفه إنما ينفعل عنه ما كان شديد القبول جداً وإنما يكون كذلك إذا كان شديد اللين جداً حتى ينفعل عن المؤثرات وإن ضعفت جداً‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الخامس تشريح الغشاءين المحيطين بالدماغ وهما الأمّان الغليظة والرقيقة

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وقد جلل الدماغ كله بغشائين‏.‏

إلى قوله‏:‏ ارتباط الغشاء الثخين بالقحف أيضاً‏.‏

الشرح إن الدماغ بطبعه شديد اللين والجرم الذي يحيط به عظم والعظم شديد الصلابة وفي بعض الأحوال مثل الطرح الشديد ويتورم جرم الدماغ ونحو ذلك يحتاج أن يلاقي الدماغ العظم المحيط به إذ لم يكن بينهما حائل يمنع من هذه الملاقاة‏.‏

وملاقاة الشديد اللين للجرم الشديد الصلابة لا شك أنها مؤلمة مضرة باللين فلا بد وأن يكون بينهما حائل يمنع من هذه الملاقاة‏.‏

وذلك الحائل يجب أن لا يكون شديد الصلابة وإلا كان الدماغ يتضرر جداً‏.‏

بملاقاته ويجب أيضاً أن يكون شديد اللين بملاقاة العظم فإنه شديد الصلابة فلا بد من أن يكون في صلابته متوسطاً ولكن المتوسط بين شدة لين الدماغ وشدة صلابة العظم بالنسبة إلى الدماغ صلب لأن التفاوت بين لين الدماغ وصلابة العظم كبير جداً فلذلك لا بد من أن يكون ما يلاقي الدماغ من هذا المتوسط مائلاً إلى اللين حتى يكو مائلاً للدماغ فلا يتضرر به الدماغ ولا بد من أن يكون ما يلاقي العظم أو يتوقع ملاقاته في بعض الأحوال مائلاً إلى الصلابة حتى لا يتضرر بملاقاة القحف‏.‏

فلذلك لا بد من أن يكون ما يلي الدماغ مخالفاً جداً في قوامه لما يلي العظم وإذا كان كذلك لم يكن أن يكون ذلك المتوسط جرماً واحداً لأن الجرم الواحد إنما يختلف سطحاه المتقابلان اختلافاً كبيراً في الصلابة واللين إذا كان لذلك الجرم سمك كثير‏.‏

ذلك يلزمه أن يملأ مسافة كبيرة من فضاء داخل القحف فلذلك لا بد من أن يكون هذا التوسط جرمين رقيقين ليكونا غير مائلين لقدر كثير من ذلك الفضاء فلذلك لا بد أن يكون غشاءين ويكون ما يلي الدماغ منهما ليناً جداً وما يلي القحف إلى صلابة يعتد بها ويجب أن يكون ما يلي الدماغ رقيقاً جداً لأن ذلك يكفي في حدوث صلابة ما لظاهر الدماغ بها يمكن ملاقاته الأم الجافية من غير إيلام الدماغ وأما ما يلي القحف فيجب أن يكون غليظاً إذ لو كان رقيقاً جداً لتهيأ للتمزق بما يحدث هناك من الرياح أو الأبخرة ونحوهما لأن هذا الغشاء ليس يعتمد على عضو يقوي به كما يعتمد الغشاء الرقيق على الدماغ لأنه يلاقيه‏.‏

ولما كان الدماغ يحتاج أن يتصل به عروق كثيرة جداً ضاربة وغير ضاربة‏.‏

وذلك لأنه يحتاج إلى ذلك لأجل نفسه للاغتذاء واستفادة الحياة ويحتاج إلى ذلك لأجل توليد الروح النفساني فلذلك احتيج أن يكون ما يصل إليه من العروق بكثرة‏.‏

وهذه العروق لو لم تكن مخالطة لجرم إلى الصلابة لكانت أو ضاعها تختل بسبب تحريك ما يحدث حول الدماغ من الرياح والأبخرة فلذلك لابد من أن يكون تلك العروق مداخلة لجرم إلى الصلابة لحفظ أو ضاع بعضها من بعض ويجب أن يكون الجرم ملاقياً للدماغ حتى تكون تلك العروق ملاقية للدماغ لتحيل ما فيها إلى الدم والروح إلى مشابهة طبيعته فيقرب بذلك من اعتدال حتى يكون الدم إلى الدماغ ضاربها وغير ضاربها مخالطة لجرم الغشاء الرقيق الملاقي للدماغ فلذلك سمي هذا الغشاء المشيمي لأجل مشابهته للمشيمة التي للجنين في حفظها لأوضاع ما يأتيه من العروق فلذلك هذا الغشاء المجلل للدماغ الملاقي له يحتاج أن تكون فيه عروق كثيرة جداً‏.‏

وأما الغشاء الآخر الغليظ فإنه إنما يخالطه من العروق ما يوصل إليه غذاه فإن كان قد تنفذ فيه عروق أخرى تخدمه إلى المجرى فلذلك كان هذا الغشاء قليل العروق بخلاف الغشاء الرقيق مع أن الغليظ أحوج إلى كثرة الغذاء من الرقيق‏.‏

قوله‏:‏ ولذلك ما يداخل أيضاً جوهر الدماغ معناه ولما كان الغشاء الرقيق كالمشيمة في حفظ أو ضاع العروق التي منها يغتذي الدماغ وجب أن يكون لهذا الغشاء مداخلة كبيرة لجوهر الدماغ ليوصل إليه الغذاء من تلك العروق‏.‏

قوله‏:‏ وينتهي عند المؤخر منقطعاً الغشاء الرقيق يدخل إلى داخل الدماغ وذلك من الطي الذي ذكرناه وإذا خرق ذلك الطي جرم الدماغ إلى بطونه غشاء تلك البطون من داخل إلا البطن المؤخر فإنه لصلابته استغنى عن هذه التغشية‏.‏

وذلك لأن من فوائد هذه التغشية حفظ أو ضاع أجزاء الدماغ وذلك لأجل إفراط لينه وقبوله للإنعواج والانثناء ونحو ذلك بسبب إفراط ما يحدث في الدماغ من الرياح والأبخرة ونحوها والبطن المؤخر لأجل قلة لينه يستغني عن ذلك فلذلك باطنه يخلو من هذا الغشاء‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث السادس تعديل بطون الدماغ

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وللدماغ في طوله ثلاثة بطون‏.‏

إلى قوله‏:‏ للمؤخر عن المقدم موجود في الزرد‏.‏

الشرح لما كان الدماغ مبدأ للروح النفساني وإنما يكون ذلك بإحالة المادة التي تتحقق منها إلى المزاج الذي به يتحقق ذلك وذلك إنما يتم في زمان يعتد به وجب أن تكون للروح الذي فيه يتكون من الروح النفساني مكاناً يبقى فيه زماناً في مثله يصير ذلك الروح نفسانياً وذلك المكان هو البطون ويجب أن تكون هذه البطون كثيرة لأن الروح الذي يتكون منه هذا الروح النفساني كما بيناه في موضعه هو الروح الذي يأتي من القلب فلا بد من مكان يتعدل فيه هذا الروح حتى يستعد لأن يصير نفسانياً وإذا استعد لذلك وجب أن ينفذ إلى مكان آخر فيكمل فيه استحالته إلى الروح النفساني وإنما لا يبقى في مكانه إلى تمام هذه الاستحالة لأن ذلك المكان يحتاج أو لاً أن يخلو حتى يصير فيه روحاً آخر يستعد ذلك الاستعداد ثم يتحرك إلى حيث تكمل استحالته ليبقى عمل الدماغ في الروح الآتي من القلب مستمراً ومع ذلك لا يخلو عن روح نفساني ولو كملت استحالة هذا الروح في المكان الأول لكان إنما يمكن أن يصل إلى ذلك المكان روح آخر بعد خلوه وإنما كان يخلو إذا توزع ذلك الروح النفساني على الأعضاء وحينئذٍ كان الدماغ يخلو عن روح نفساني إلى أن يكمل استحالته ذلك الوارد فلذلك احتيج أن تكون للروح النفساني مكان يسستعد فيه لذلك ومكان يتم فيه استحالته إلى ذلك ولا بد من مكان آخر منه يتوزع ذلك الروح على الأعضاء فلذلك احتيج أن يكون للدماغ ثلاثة بطون‏:‏ بطن يستعد فيه الروح الآتي من القلب لأن يصير نفسانياً وبطن تتم فيه استحالته إلى ذلك وبطن يتوزع منه الأعضاء‏.‏

فإن قيل‏:‏ وهلا كان البطن الذي يكمل استحالته هو الذي يتوزع منه على الأعضاء قلنا هذا لا يصح وإلا كان الروح الذي استعد في البطن الأول لأن يصير نفسانياً إنما يصل إلى البطن الذي يكمل فيه استحالته بعد توزع ما في ذلك البطن من الروح على الأعضاء‏.‏

وحينئذٍ كان يلزم ذلك خلو الدماغ عن روح نفساني هذه استحالة الروح المستعد لتمام الاستحالة وذلك لا محالة يلزمه ضرر عظيم فلذلك لا بد من أن يكون الدماغ ثلاثة بطون وكل واحد من هذه البطون فإنه يجب أن يقسم إلى جزأين ليقوم كل واحد منهما بفعل ذلك البطن المقدم أظهر لأن هذا البطن لكبره يتسع لفاضل غليظ يفصل بين جزأيه ولا كذلك غيره‏.‏

والمشهور هو المذكور في الكتاب‏.‏

إن الروح الحيواني ينفذ أو لاً إلى البطن المقدم فينبطخ فيه أي أنه يستحيل فيه إلى مشابهة مزاج الروح النفساني استحالة ما ثم ينفذ بعد ذلك إلى البطن الأوسط ويزداد فيه هذه الاستحالة ثم إن هذه الاستحالة تكمل في البطن المؤخر وهذا مما لا يصح وذلك لأن الروح الحساس يحتاج أن تكون بغاية الاعتدال ليحس بكل انحراف ويخرج عن الاعتدال ولا كذلك الروح الذي به الذكر والفكر فإن هذا الروح يحتاج إلى أن يكون إلى الحرارة ولذلك فإن البرودة شديدة الإضعاف للذكر‏.‏

ولذلك فإن المشايخ يضعف هذه القوة الحافظة والذاكرة فيهم وكذلك الفكر يضعف بالبرد ولذلك فإن المشايخ الهرمين يعرض لهم الخرف كثيراً‏.‏

فلذلك الحق‏:‏ إن الروح الحيواني يصل أو لاً إلى البطن المؤخر فيعتدل فيه قليلاً ثم يزداد اعتدالاً في البطن الأوسط وهو أشد اعتدالاً ثم يكمل هذا الاعتدال في البطن المقدم فلذلك يكون الروح الذي في المقدم أشد اعتدالاً من الذي في البطن الأوسط وهو أشد اعتدالاً من الذي في البطن المؤخر وما ذلك إلا أن الروح الحيواني ينفذ أو لاً إلى البطن المؤخر ثم ينفذ بعد ذلك إلى البطنين الآخرين‏.‏

وهيئة التشريح تصدق ذلك وتكذب قولهم فإن نفوذ الشرايين إلى داخل القحف إنه لا يكون من البطن قوله‏:‏ والغشاء الرقيق يستبطن بعضه فيغشي بطون الدماغ إلى الفجوة التي عند الطاق‏.‏

قد قالوا إن عند منتهى البطن المقدم موضعاً عميقاً ومن هناك يبتدئ البطن الأوسط وذلك الموضع يسمى مجمع البطنين أي أنه هناك يجتمع البطنان اللذان للبطن المقدم وهما اللذان أحدهما يمنة والآخر يسرة وهذا الموضع يسمى فجوة‏.‏

وأما الطاق فقد يراد به الغشاء الرقيق الغائص في جرم الدماغ وهو الذي يقسمه إلى جزأين‏:‏ أحدهما مقدم والآخر مؤخر‏.‏

وهذا الغشاء عند غوصه في الدماغ يغوص وهما طاقان‏:‏ طاق من قدام ذلك الموضع وطاق من مؤخره‏.‏

وقد يراد بالطاق سقف البطن الأوسط لأنه كالقعد المستدير ويغشيه الغشاء الرقيق لباطن الدماغ إنما هو قرب هذا الموضع وذلك لأنه ما بعده إلى خلف تغشية صلابة هذه التغشية كما ذكرناه أو لاً‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث السابع تشريح المشيمية ما يأتيها من العروق

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وبين هذا البطن والبطن المؤخر من تحتهما مكان هو متوزع العرقين العظيمين الصاعدين‏.‏

إلى قوله‏:‏ ويكون هناك تنسج على مثال المتنسج في المشيمة فيستقر فيه‏.‏

الشرح قد كنت عرفت أن تحت الغشاء الذي ذكرنا أنه ينقسم إلى جزأين مقدم ومؤخر إلى خلفه مكان ضيق من تقعر الأم الجافية الحاوية للدماغ من تحته فإن هذا المكان مملوء من الدم فإن الفائدة في ذلك أن يتعدل ذلك الدم حتى يصلح لتغذية الدماغ إذ الدم الوارد إلى الدماغ لا بد وأن يكون حاراً والألم يسهل تصعده فلو خالط الدماغ عند أو ل وصوله لسخنه وأخرجه عن المزاج الموافق له‏.‏

فلذلك احتيج أن يبقى هذا التقعير قبل نفوذه ومخالطة الدماغ مدة في مثلها ويقرب من ماج الدماغ‏.‏

وهذا المكان يسمى البركة ويسمى المعصرة وقد عرفت السبب في ذلك وإذا تعدل هذا الدم وصلح لتغذية الدماغ فلا بد من تصعده إليه وإنما يمكن ذلك بامتصاص العروق له من فوهاتها‏.‏

إنما يمكن ذلك بأن تكون تلك العروق كثيرة جداً لتمكنها أن تمتص كل وقت من هذا الدم ما يكفي لتغذية الدماغ مع أن هذا الامتصاص عسير وذلك لأن هذا الدم إنما يتعدل ويشابه مزاج الدماغ مشابهة ما بأن يبرد الدم إذا برد غلظ وأفواه العروق الصغار ضيقة فذلك إنما يتمكن من امتصاص ما يكفي الدماغ من هذا الدم في زمن قصير إذا كانت كثيرة جداً وعند نفوذها إلى الدماغ لا يمكن أن تكون كثيرة وإلا لزم ذلك تثقب الأم الرقيقة لكل واحد منها فيكثر فيها الثقوب وذلك مضعف لجرمها‏.‏

فلذلك هذه العروق الماصة لهذا الدم لا بد من أن يكون أو لاً كثيرة ومتفرقة جداً لتلاقي مواضع كثيرة ثم إذا صعدت إلى قرب الدماغ فلا بد من اجتماعهما وينبغي أن يكون ذلك إلى عرقين أحدهما يمنة والآخر يسرة لتكون قسمة الدم على جانبي الدماغ على الوجه العدل ثم إن هذين العرقين يتوزعان إلى عروق كثيرة تنبث في الغشاء الرقيق فيكون ذلك في المشيمة ثم يداخل جوهر الدماغ لإيصال الغذاء إليه والشعب الماصة للدم هي لهذين العرقين كالأصول للشجرة لأن منها يأتي لمادة إلى هذين العرقين وقد ملئ الخلل بينهما بجسم غددي ليحفظ أو ضاع بعضها عند بعض‏.‏

وخلق ذلك الجرم غددياً ليكون محيلاً لما في تلك العروق إلى مشابهة بجوهر الدماغ لأن الأجرام الغددية جميعها كثيرة الرطوبة ولما كانت هذه العروق من أسفل منفرجة ومن فوق مجتمعة إلى هذين العرقين وجب أن يكون هذا الجرم الغددي صنوبري الشكل ويكون رأسه وهو الدقيق منه من فوق‏.‏ وقاعدته وهو الغليظ منه إلى أسفل‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثامن تشريح البطن الأوسط من بطون الدماغ

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه والجزء من الدماغ المشتمل‏.‏

إلى قوله‏:‏ بسبب حركة شيء آخر أشبه بإجابة الشيء الواحد‏.‏

الشرح إن هذا الأوسط أو له عند آخر البطن المقدم وهو في وسط عرض الدماغ فلذلك يكون أو له عند ملتقى بطن البطن المقدم أعني الأيمن والبطن الأيسر فيكون طرف كل واحد من هذين البطنين في أو ل فضاء هذا البطن الأيسر فلذلك يشاهد منه الصور المحسوسة المنطبعة في الأرواح التي في البطنين المقدمين وآخر هذا البطن الأوسط هو عند أو ل بطن المؤخر فلذلك تتمكن القوة الموضوعة في البطن المؤخر إذا كان هذا البطن مفتوحاً من مشاهدة جميع الصور المنطبعة في الأرواح التي في البطنين المقدمين وآخر هذا البطن الأوسط وعند أو ل البطن المؤخر وحينئذٍ يحكم على كل صورة من تلك الصور بما يليق بها من المعاني ولذلك تحكم هذه القوة من الشاة على صورة الذئب المنطبعة في البطن المقدم على أن ذلك عدو مفسد لها وعلى صورة متعهدها بالعلف أنه صديق لها فلا تنفر عنه نفورها من الذئب‏.‏

وهذا البطن لا يمكن أن يكون مفتوحاً دائماً وإلا كانت الروح التي في مؤخر الدماغ ينتقل بعضها إلى مقدمه والتي في مقدمه فينتقل إلى إلى مؤخره فيشوش الأرواح ويفسد الذهن‏.‏

وتختلط تلك الصور المحسوسة بعضها ببعض على غير النظام الطبيعي فيحدث من ذلك كما يحدث للمبرسمين ولا يمكن أيضاً أن يكون هذا البطن دائماً مسدوداً وإلا لم يمكن الحكم على معاني تلك الصور المحسوسة لأنها حينئذٍ لا يمكن القوة التي في مؤخر الدماغ مشاهدة شيء منها فلذلك لا بد من أن يكون هذا البطن في حال ما مفتوحاً وفي حال أخرى مسدوداً‏.‏

ولا يمكن أن يكون ذلك بالطبع فإن الطبع لا يقتضي شيئاً ولا يقتضي ما يقابله فلا بد من أن يكون هذا الانسداد والانفتاح بالإرادة ولكن بالإرادة الطبيعية وهي التي بالقوة الحيوانية وهي التي لا يلزم في أفعالها أن نكون مدركين لها ولا مدركين للإرادة التي بها تكون أفعالها ثم هذا الانفتاح والانسداد لا يمكن أن يكونا بانضمام جرم الدماغ انضماماً يلزمه انسداد هذا البطن وبانفراج يلزمه انفتاح هذا البطن فإن جرم الدماغ لأجل إفراط لينه ليس يحتمل ذلك فلا بد أن يكون هذا الانسداد بجرم يكون في داخل هذا البطن ويكون ذلك الجرم على بعض أحواله ينفتح في هذا البطن وعلى بعضها ينسد ولا يمكن أن يكون هذا الجرم من خارج هذا البطن وإلا كان سده يضغط جرم الدماغ إلى أن تتلاقى أجزاؤه وفتحة بتخلية الموضع من الدماغ عن ذلك الضغط فلا بد من أن يكون هذا الجرم من الفاعل ليسد هذا البطن وفتحه في داخل هذا البطن ولا يمكن أن يكون ذلك في موضع من هذا البطن دون باقيه لأن هذا الجرم لا بد من أن يكون شبهاً بجوهر الدماغ حتى لا تؤلمه ملاقاته وكذلك لا بد من أن يكون هذا الجرم شديد اللين فلو كان موضوعاً في موضع من داخل هذا البطن لأمكن أن ينفعل عن الرياح والأبخرة الحادثتين في داخل الدماغ ليبطل بذلك فتحه أو سده ولكانت حركة الروح أيضاً قد تقوى على تغييره عن الحالة المنفتحة والسادة فلذلك لا بد من أن يكون هذا الجرم ممتداً في طول هذا البطن ولا يمكن أن يزيد على ذلك وإلا كان يحدث ضيقاً في البطن الذي تقع فيه تلك الزيادة ولا يمكن أيضاً أن يكون جسماً واحداً فإن الجسم الواحد إنما يحدث له سدة تارة وانفتاحاً أخرى إذا كان يتجمع تارة فينفتح هذا البطن وينبسط أخرى فينسد وهذا غير ممكن ها هنا فإن الأجسام الشديدة اللين لا يمكن أن يكون التفاوت بين تجمعها وانبساطها كثيراً جداً‏.‏

فلو كان هذا الجرم واحداً لكان ما ينفتح عند تجمعه يسيراً جداً لا يفي بالغرض فلا يلزم أن يكون هذا الجرم من أجسام كثيرة ويكون واحد منها تحدث له حالة يحدث فيها تقارب الباقي إلى الملاقاة والسد وحالة أخرى يلزمها تباعد الباقي وانفتاح المجرى‏.‏

وهذا الجرم الذي تختلف أحواله التي يلزمها ذلك لا بد من أن يكون حدوث تلك الأحوال له بسهولة حتى يمكن أن يحدث كل واحد من انفتاح هذا البطن وانسداده بسرعة وسهولة وهذا يمكن أن يكون هذا الجرم دودي الشكل مؤلفاً من أجزائها أن تجتمع وتتباعد بسهولة وذلك بأن يكون مؤلفاً من أجزاء كالزوائد مربوطاً بعضها ببعض ويكون لتلك الأجزاء أن تتباعد تارة وتتقارب أخرى فإذا تقاربت قصر ذلك الجرم جداً وإذا تباعدت طال ويكون إلى جانبي هذا الجرم وإلى أسفل جسمان آخران يسهل تقاربهما وتباعدهما ويكونان ممتدين في طول هذا البطن كالجرم الأول وإلى جانبيه وأسفل منه ويكون هو مربوطاً إليهما من جانبيه ربطة يذهب إليها على الاستقامة فما دامت تلك الربط كذلك كانات متباعدين أي إن أحدهما يكون بعيداً عن الآخر فيكون ما بينهما مفتوحاً وذلك هو ما تحت الجرم الأول وإما إذا امتد في ذلك الجرم الأول في الطول حتى لزم ذلك خروج مبادئ تلك الأربطة عن محاذاة اتصالها بالجسمين الآخرين وذلك بأن صارت تلك الأربطة في اتصالها بالجسمين الآخرين مؤربة لزم ذلك انجذاب ذينك الجسمين إلى التقارب فسدا ما بينهما فكان ذلك البطن حينئذٍ مسدوداً فإذا عاد الجرم الأول الدودي إلى التجمع وتقاربت أجزاؤه لزم ذلك عود تلك الأربطة في اتصالها بالجسمين الآخرين إلى الاستقامة فيمكن ذلك الجسمين من التباعد الذي هو لهما بالطبع فعادا إلى وضعهما متباعداً أحدهما عن الآخر ولزم ذلك انفتاح ما بينهما وبذلك ينفتح هذا البطن‏.‏

ولقائل أن يقول‏:‏ إن هذا لا يصح وذلك لأن هذين الجسمين إذا تقاربا مما عن جانبيهما من الدماغ إما أن توافقهما في التقارب فيكون انسداد هذا البطن بتقارب أجزائه‏.‏

وقد قلتم‏:‏ إن ذلك لا يمكن أو لاً توافقهما في ذلك فيبقى بين جانبي هذا البطن وذينك الجسمين فرجة بقدر تحركهما إلى التقارب فبقي هذا البطن مفتوحاً هناك فيلزم ذلك أن يكون هذا البطن دائماً مفتوحاً لكن تارة يكون هذا المفتوح منه ما بين ذينك الجسمين وذلك إذا كانا متباعدين وتارة ما بين جوانبه وجوانب ذينك الجسمين وذلك إذا كانا متقاربين وحينئذٍ يكون انسداد هذا البطن محالاً قلنا ليس الأمر كذلك وذلك لأن هذين الجسمين ملتصقان بالغشاء المشيمي المغشي لداخل هذا البطن فإذا تقاربا لزم ذلك انجذاب ذلك الغشاء إليهما فانسد ما بينهما وبين جانبي الدماغ بذلك الغشاء لا بجرم الدماغ‏.‏

قوله‏:‏ بأربطة تسمى وترات هذه في الحقيقة ليست بأربطة ولا وترات أما أنها ليست بأربطة فلأنها غير متصلة بعظم‏.‏

وأنها ليست بوترات فلأنها ليست مؤلفة من عصب ورباط ولكنها تسمى أربطة بالاصطلاح العام لأنها تربط شيئاً بشيء وتسمى وترات لأنها تشبه الأوتار في أنها تجذب الأعضاء المتصلة بها فتحركها تحريكاً إرادياً فإن انفتاح هذا البطن وانسداده قد بينا أنه لا يمكن أن تكون إلا بالإرادة‏.‏

وقوله‏:‏ تمدد وضاق عرضها ضغطت هاتين الزائدتين إلى الاجتماع فيسند المجرى‏.‏

وإذا تقلصت إلى القصر وازدادت عرضاً تباعدت إلى الافتراق فانفتح المجرى فإن زيادة عرض ذلك الجرم يلزمها تضيق هذا البطن فلا يكون الانفتاح تاماً وكذلك ضيق عرض ذلك الجرم يلزمه أن لا يكون انسداد هذا البطن تاماً وكذلك لا لأمر يضطر إليه وكذلك يمكن أن تتباعد أجزاؤه عند التمدد من غير نقصان في الثخن وذلك لأن مقادير تلك الأجزاء لا تتغير في حالتي التمدد والتقلص لكنها تتقارب عند التقلص وتتباعد عند التمدد وحركة الجسم الدودي حركة إرادية كما ذكرناه لما ذكرناه أو لاً‏.‏

وأما حركة الجسمين الآخرين إلى الالتقاء فذلك بما تجذب الأوتار المتصلة بهما وبالجرم الدودي عند تمدده وأما حركتها إلى الانفراج فذلك بمقتضى طبيعتهما ليعودا إلى وضعيهما الطبيعي لهما وبجذب الغشاء المغشي لهما ليعود إلى ملاقاة جرم الدماغ وأما حكمة هذه الأجرام وكونها على الهيئة المخصوصة فذلك مما نذكره في كتابنا الكبير الذي نعمله في هذه الصناعة‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث التاسع فضول الدماغ

من قوله‏:‏ ولدفع فضول الدماغ‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح يحيط بالدماغ عظام القحف وهي صلبة لا تسمح بنفوذ الفضول من خلالها إلا ما يمكن أن يمر في سنون القحف وهذه لا تكفي لتحلل فضول الدماغ الكثيرة ولذلك يعسر تحلل ما يتحلل منها بخلاف الأعضاء التي تحيط بها مثل اللحم ونحوه‏.‏

فإن فضولها تجد سبيلاً إلى النفوذ في ذلك المحيط فتكون تلك الأعضاء نقية من الفضول ولا كذلك الدماغ ومع كثرة فضول الدماغ فإن الحاجة إلى كثرة بقائه تشتد وذلك لأن ما يحتبس فيه من فضول مع أنه يحدث له سوء المزاج والسدد في مجاريه ونحوها فإنه يكدر أرواحه ويغلظها ويفسد أمزجتها فلذلك اضطر إلى أن يكون له طرق ينتقي منها فضوله‏.‏

وهذه الطرق منها ما منفعتها تنقية الدماغ من الفضول فقط فتكون مخلوقة لذلك فقط‏.‏

وهذه كالمجاري المذكورة في الكتاب‏.‏

ومنها ما هي مخلوقة مع ذلك لمنفعة أخرى إما للإحساس بشيء كالعين وإنها تنتفع بها في إدراك المبصرات وينتفع بها أيضاً في تحلل بعض فضول الدماغ بها بالدموع ونحوها وكذلك الأذن ينتفع بها في إدراك المسموعات وفي تنقية الدماغ من المادة الحادة الصفراوية التي تندفع إليها فيكون منها وسخ الأذن وكذلك الأنف ينتفع به في إدراك الرائحة وفي إخراج الفضول المخاطية التي تتولد في الدماغ‏.‏

وأما تكون تلك المنفعة ليست هي الإحساس لشيء كالسنون التي في عظام القحف فإن هذه ينتفع بها المنافع التي ذكرناها عند تشريحنا لعظام القحف وينتفع بها مع ذلك في تحلل الفضول البخارية التي في الدماغ منها وكذلك النخاع فإنه خلق لما ذكرناه في تشريح عظام الصلب من منافعه ومع ذلك فإنه ينتفع به في تحلل بعض فضول الدماغ منه وكذلك فإن الذي يعتريه الجرب يكون جربه في اسافل ظهره عند عجزه وطرف عصعصه‏.‏

لأن الذي يقربه الجرب لا بد من أن تكون مواده حارة بورقية فيكون ما يتبخر منها كذلك فلذلك يكثر هذا التبخر منها في دماغه ويكثر ما يندفع من ذلك في النخاع إلى طرفه وذلك عند آخر العصعص ولذلك فإن كثيراً مما تكثر فيه السوداء يعرض له عند طرف عصعصه غلظ‏.‏

وعبارة الكتاب في باقي الفصل ظاهرة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تشريح العين

وكلامنا في هذا الفصل يشتمل على أربعة مباحث‏:‏

  البحث الأول أجزاء العين

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه فنقول قوة الإبصار ومادة الروح‏.‏

إلى قوله‏:‏ أو سطها جليدية وهي‏.‏

الشرح لا شك أن الإبصار إما يكون بقوة باصرة وتلك القوة إنما تقوم بروح تحملها وتسمى الروح الباصرة‏.‏

وهذه القوة وهذه الروح هما من القوى والأرواح النفسانية‏.‏

فمبدؤهما لا محالة الدماغ وإنما يتم الإبصار بنفوذ تلك القوة وهذه الروح من الدماغ إلى العينين أو ما يقرب منهما فإن هذه القوة لو بقيت في الدماغ لكان إدراكها تخيلاً لا إبصاراً والقوى والأرواح إنما ينفذان من الدماغ إلى الأعضاء بتوسط العصب فلذلك لا بد للعين من عصب تنفذ فيه القوة الباصرة والروح الحاملة لها‏.‏

وقد بينا أن العين لا بد من أن تكون في أعلى مقدم البدن فلذلك العصب التي تأتي فيه القوة الباصرة والروح الباصر لا بد من أن يكون هو الزوج الأول من أزواج العصب الدماغي لأن هذا الزوج يتصل بالدماغ في مقدمه ومن ورائه يتصل بالأزواج الأخر‏.‏

وهذا الزوج يسمى العصب النوري لأن فيه النور الذي به الإبصار‏.‏

وقد عرفت هذا الزوج وكيفية نفوذه إلى العينين عند كلامنا في تشريح الأعصاب وعرفت أن هذا الزوج مع أنه للحس فإن نفوذه إلى العينين ليس على الاستقامة بل على تقاطع يسمى التقاطع الصليبي وإن اكثر المقصود بذلك أن تكون لهذه القوة الباصرة مكان تقف فيه مشترك بين العصبتين وذلك هو التجويف المجتمع من تجويفي كل فرد من هذا الزوج‏.‏

فقد عرفت أن هذا الزوج من خواصه أنه ذو تجويف ظاهر‏.‏

وإنما خالف بذلك ما في الأعصاب لأن النافذ من الأعصاب المدركة إلى الدماغ في باقي الأعصاب إنما هو هيئة انفعال تلك الأعضاء وذلك مما لا يحتاج فيه إلى أن يكون لحامل ذلك للانفعال مساحة يعتد بها فلذلك يكفي في نفوذ الروح الحاملة لذلك الانفعال التام الذي لا بد منها في الأعصاب بخلاف هذا الروح فإن النافذ من العينين إلى الدماغ إنما هو أشباح المرئيات وتلك الأشباح يحتاج حاملها لا محالة أن تكون له مساحة يعتد بها فلذلك لا يمكن نفوذه في مسام الأعصاب بدون فساد تلك الأشباح فلذلك يحتاج هذا العصب النوري أن يكون ذا تجويف ظاهر ينفذ فيه الروح البصري‏.‏

ومن تجويفي كل واحد من فرديه يحدث تجويف واحدد في وسط مسافة نفوذهما إلى العينين وفي ذلك التجويف مكان القوة الباصرة ولو كانت هذه القوة في عين واحدة لكان وجود الأخرى عبثاً ولو كان في كل قوة عين قوة باصرة لكان الشيء الواحد يرى بكل واحدة في العينين فكان الواحد يرى اثنين‏.‏

ولقائل أن يقول‏:‏ لو كان الأمر كذلك لكان الشيء يسمع اثنين‏.‏

لأن كل واحدة من الأذنين فيها قوة سامعة فإن قوة السمع لو كانت واحدة وموضوعة في إحدى الأذنين لكانت خلقة الأذن الأخرى عبثاً‏.‏

ولو كانت هذه القوة في داخل تجويف الدماغ لكان الصوت يتخيل ولا يسمع كما قلتم في الإبصار‏.‏

وجوابه‏:‏ إن الأمر في السمع ليس كما في الإبصار وذلك أن إدراك السمع هو من جنس إدراك اللمس‏.‏

وكما أن قوة اللمس متكثرة لأن هذه القوة في جميع الجلد وفي أكثر اللحم وفي الأغشية وغير ذلك‏.‏

ومعلوم أن هذه الأشياء ليست القوة التي فيها قوة واحدة بل كثيرة جداً فلذلك قوة السمع لا تمتنع عليها أن يكون متكثرة بخلاف قوة البصر‏.‏

وإنما قلنا إن قوة السمع من جنس قوة اللمس لأن إدراك قوة السمع إنما هو التموج الحاصل في الهواء الراكد في داخل الأذن النافع لتموج الهواء الحامل للصوت وإدراك هذا التموج هو بانفعال الحاسة عنه كما تنفعل حاسة اللمس عن الملموسات الحارة والباردة والخشنة ونحو ذلك وتحقيق الكلام في هذا وبسطه الأولى به في غير هذا الكتاب‏.‏

وهذا العصب النوري هولا محالة كباقي الأعصاب مغشى بغشائين‏:‏ أحدهما‏:‏ من الأم الجافية وهو الأعلى منهما‏.‏

والآخر من الأم الرقيقة فيكون لا محالة كثير العروق كما في تلك الأم فإذا بلغ هذا العصب مع الغشاءين المغشيين له إلى عظم الحجاج وهذا العظم الذي فيه نقرة العين انبسط طرف كل واحد من ذلك وانفرش بقدر سعة تلك النقرة ثم انضم طرفه وصار من مجموع ذلك العضو الذي يسمى المقلة‏.‏

قوله‏:‏ اتسع طرف كل واحد منها وامتلأ وانبسط واتسع اتساعاً يحيط بالرطوبات التي في الحدقة‏.‏

يريد بقوله‏:‏ وامتلأ وغلظ وسمن‏.‏ وما أشبه ذلك‏.‏

وذلك لأن طبقات العين أكثرها أغلظ من كل واحد من الغشاءين اللذين على العصب النوري‏.‏

وقوله‏:‏ يحيط بالرطوبات المشهور أن هذا الاتساع يقدر قدر الرطوبات التي في المقلة حتى تكون الطبقة الحادثة من جرم العصب مشتملة على الرطوبة الجليدية اشتمال الشبكة على الصيد وهذا لا يصح فإن مقدار الرطوبات أصغر كثيراً من المقلة ولو كانت الطبقة معها كما قالوه لزم أن تكون المقلة أصغر مما هي عليه وأصغر من نقرة العين فلم تكن المقلة ملتصقة بالعظم بل مسربة عنه‏.‏ وليس كذلك‏.‏

بل الحق أن اتساع العصب مع الأغشية بقدر نقرة العين وتبقى الرطوبات في الوسط مائلة عن ثقب العصب النوري إلى جهة الموق الأكبر ولو كانت هذه الرطوبات مالئة لتجويف العصب النوري لكانت سادة له فكان يمنع نفوذ الروح إلى المقلة ومن المقلة إلى أمام القوة الباصرة فكان الإبصار يتعذر كما يتعذر لسدة أخرى تقع في هذا العصب‏.‏

وقوله‏:‏ التي في الحدقة‏.‏

المعروف من الاصطلاح أن العين هي مجموعة المقلة مع الأجفان وأن الحدقة هي الوضع الذي فيه الثقب العيني وأن سوى الأجفان من العين هو المقلة‏.‏

وها هنا يريد بالحدقة المقلة وله أن يصطلح على ذلك ولكنه كان ينبغي أن نبين هذا الاصطلاح أو لاً لنفهم المراد من كلامه ولا يحمل على المعنى المشهور‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثاني رطوبات العين

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه التي أو سطها الجليدية وهي رطوبة‏.‏

إلى قوله‏:‏ ثم إن طرف العصبة تحتوي على الزجاجية والجليدية‏.‏

الشرح إن العين يجب أن يشتمل على رطوبات ثلاث‏.‏

أما عندهم فلأن الإبصار على قولهم إنما يتم بوقوع الأشباح على الجليدية وهذه الجليدية مستعدة جداً لسرعة التحلل فلا بد لنا من جسم يمدها بالغذاء لتخلف بدل المتحلل منها فلا يفنى بسرعة وذلك الجسم لا يمكن أن يكون دماً باقياً على لو نه وإلا كانت هذه الرطوبة تعجز عن إحالته بسرعة إلى طبيعتها فكانت تقل جداً قبل تمكنها من إحالة ما يقوم لها بدل المتحلل فلذلك احتيج أن يستحيل هذا الدم إلى مشابهتها بعض الاستحالة حتى تصير مقتدرة على أخذ الغذاء منه بسهولة ولون هذه الرطوبة مع صفائه وبريقه أبيض فلذلك إنما يصير الدم شبيهاً بها بوجه ما إذا استحال عن حمرته بعض الاستحالة فلذلك يصير لو نه بين البياض والحمرة وذلك هو لون الزجاج الذائب فلذلك الدم يصل إلى هذه الرطوبة ليغذوها يجب أن يكون كذلك ولذلك تسمى بالرطوبة الزجاجية ثم إن الجليدية إذا أبعدت من هذه الرطوبة وإحالتها إلى طبيعتها فلا بد من أن تفضل منها فضلة وتلك الفضلة تكون لا محالة قد ازدادت بإحالة الرطوبة الجليدية لها صفاءً وبياضاً فلذلك يكون كبياض البيض‏.‏

وحينئذٍ تدفع تلك الجليدية تلك الفضلة إلى أمامها فيكون من ذلك الرطوبة البيضية فلذلك لا بد في العين من هذه الرطوبات الثلاث‏.‏ فهذا مذهبهم في هذه الرطوبات مع تقديرنا له‏.‏

وأما عندنا‏:‏ فإن أشباح المرئيات ليست تقع على الرطوبة الجليدية فإن الشبح إنما يقع على جسم إذا كان ذلك الجسم لا يحول بينه وبين ذي الشبح جسم ملون بل يكون ذلك الجسم مكشوفاً ولذلك فإن المرآة إذا غطيت بجسم ملون فإنه لا يقع عليها شبح البتة‏.‏

وهذه الرطوبة الجليدية مغطاة ومحجوبة من قدامها بجسم شديد السواد فكذلك يستحيل أن تقع عليها شبح المرئيات وذلك الجسم المغطى للجليدية هو الجسم الأسود الذي يشاهد أمامها ولولاه لشوهدت للناظر في العين فكانت ترى على لو نها الذي هو بياض مع صفار فلذلك الشبح عندنا إنما يقع على ذلك الجسم الذي يرى أسود وذلك الجسم هو الروح الذي يتأدى فيه الشبح إلى أمام القوة الباصرة ويسمى الروح المؤدي فلذلك الحاجة عندنا إلى الرطوبات التي في العين ليس ليقع الشبح على شيء منها بل ليكون داخل العين كثير الرطوبة حتى يكون في مزاجه قريباً من مزاج الدماغ‏.‏

فلذلك إذا حصلت الروح فيه لم تتغير عن مزاجها وهي في الدماغ بل يكون فيه كما هي في الدماغ فلذلك إذا وقع عليه شبح ثم انتقل ذلك الشبح إلى الدماغ بقي ذلك الشبح على حاله لأجل بقاء الروح على حالتها ولا كذلك لو عرض لهذه الأرواح في الدماغ تغير عن حالتها وهي في العين لكان الشبح الذي فيها يعرض له حينئذٍ تغير‏.‏

فكان الشيء يتخيل على خلاف ما رئي فلذلك احتيج أن يكون داخل العين مثل داخل الدماغ في أنه كثير الرطوبة وطبقات العين كلها مائلة إلى اليبوسية فلذلك إنما يكون داخلها كثير الرطوبة إذا كانت مشتملة على رطوبة كثيرة‏.‏

ويجب أن تكون هذه الرطوبة نيرة صافية فإن ذلك أعون على الإبصار فلذلك احتيج أن يكون في داخل العين هذه الرطوبة الجليدية ويجب أن يغتذي فيجب أن يكون وراءها الرطوبة الزجاجية ولأنها لا بدلها من فضله ليجب أن يكون قدامها الرطوبة البيضية لما مر تقريره‏.‏

قوله‏:‏ وقد فرطحت ليكون المتشبح فيها أو فر مقداراً إما أن الرطوبة الجليدية فيها أن تكون مستديرة فلأنها جسم متشابه الأجزاء فليس بعضه بأن يكون زاوية أو بشكل آخر أولى من الآخر فلذلك لا بد من أن تكون شكلها متشابه الأجزاء‏.‏

والشكل الذي هو كذلك في المسطحات هو الدائرة وفي المجسمات هو الكرة هذا إذا لم يكن أمر يحوج إلى شكل آخر غير طبيعي لذلك الجسم‏.‏

وها هنا كذلك فإنه لا موجب لتغير هذه عن الكرية إلا بتسطح ظاهرها وعلة ذلك التسطيح أما عند من يقول إن وقوع الشبح هو في الجليدية فهو أن يكون مقدار الشبح فيها على المقدار الذي ينبغي أن يكون عليه ليكون المرئي كذلك فإن الشبح الواقع في جسم كري يكون أصغر من المقدار الذي يستحقه ولذلك ترى المصورة في المرآة المحدبة الصغيرة والشبح الواقع في جسم مقعر يكون أعظم من القدر الذي يستحقه ولذلك ترى الصورة في المرآة المقعرة كبيرة وأما الشبح الواقع في السطح المستوي فإنه يكون على المقدار الذي يستحق بحسب رأي الشيخ‏.‏

هذا عندما نقول إن وقوع الشبح هو في الرطوبة الجليدية‏.‏

وأما على رأينا‏:‏ وهو أن وقوع الشبح هو في الروح المشاهد في الحدقة فإن فائدة تسطح الرطوبة الجليدية من قدام هو أن يكون ذلك الموضع مستوي الوضع فيكون للروح الانبساط عليه جميعه‏.‏

وإن كانت تلك الروح يسيرة فقد لا يزيد على المقدار الذي ولا كذلك إذا كان الموضع محدباً فإنه حينئذٍ كان يكون وسطه ناتئاً‏.‏

فإذا كانت الروح يسيرة فقد لا يزيد على المقدار الذي يملأ ما يحيط بذلك الوسط الناقىء حتى ينبسط على ذلك الناقىء فيبقى وسط الحدقة خالياً من الروح فلا يقع عليه شبح فهذا ما نذكره ها هنا من سبب هذا التسطيح على رأينا وعلى الرأي المشهور‏.‏

وأما قوله‏:‏ ليكون المتشبح فيها أو فر مقداراً فهذا لا يصح فإن المقصود ليس أن يكون الشبح أكثر ما يستحقه بل أن يكون على ذلك المقدار‏.‏

قوله‏:‏ هو أن يتدرج حمل الضوء على الجليدية يريدان الضوء القوى يؤذي الجليدية بفرط تحليله‏.‏

فلذلك وضعت الرطوبة البيضية أمامها ليقل ما يصل إليها من ذلك الضوء ويريد بذلك الضوء الحامل للشبح وهذا إنما يصح على قول من يقول‏:‏ إن وقوع الأشباح هو على الرطوبة الجليدية‏.‏ ونحن قد أبطلناه فلذلك يكون هذا السبب المذكور باطلاً‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثالث تشريح طبقات العين

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه من قوله‏:‏ ثم إن طرف العصبة يحتوي على الزجاجية‏.‏

إلى قوله‏:‏ وأما الهدب فقد خلقت لدفع ما يطير إلى العين‏.‏

الشرح قد بينا أن العصب النوري يحيط به غشاءان أصلهما من الغشاءين المحيطين بالدماغ فلذلك الخارج منهما صلب غليظ قليل العروق والداخل رقيق لين كثير العروق كما هما الغشاءان المحيطان بالدماغ‏.‏

وهذه الأجسام الثلاثة إذا انبسطت في عظم النقرة وملأت تلك النقرة ثم اجتمعت إلى قدام الرطوبات كان منها ثلاث طبقات وهذه هي طبقات العين مع الطبقة الملتحمة التي نذكرها بعد والمشهور أن يعد ما هو ملتصق بعظم النقرة على حدة وبعد ما هو متصل بذلك من قدام الرطوبات على حدة‏.‏

فلذلك تجعل تلك الطبقات الثلاث ستاً ولذلك تكون طبقات العين إذا عدت مع الطبقة الملتحمة سبعاً‏.‏

فالطبقة الأولى‏:‏ هي الحادثة وراء الرطوبات من العصب النوري وتسمى الطبقة الشبكية وقد أشار الشيخ إلى علة هذه التسمية وهي أنها تحتوي على الرطوبة الجليدية‏.‏

أي على منتصف الرطوبة الجليدية احتواء الشبكة على الصيد وبعضهم علل ذلك بأن هذه الطبقة تنفذ إليها من الغشاء الرقيق عروق كثيرة متنسج فيها انتساج الشبكة وسبب ذلك أن هذه الطبقة أقرب لا محالة إلى الرطوبة الزجاجية يأخذ إليها من هذه الطبقة وإنما يمكن ذلك إذا كانت مشتملة على عروق كثيرة ليكون فيها دم كثير يكفي لغذائها ولغذاء الرطوبة الجليدية يتوسط إحالة الزجاجية إلى قرب مشابهة الجليدية وجوهر العصب يخلو عن العروق البتة فلا بد من أن تكون العروق التي في هذه الطبقة آتية إليها من غيرها والغشاء الرقيق مع كثرة عروقه وهو شديد القرب من هذه الطبقة فلذلك وجب أن تكون العروق الآتية إلى هذه الطبقة آتية إليها من الغشاء المشيمي‏.‏

وهذه العروق لا بد من أن تكون في هذه الطبقة منبثة معوجة ليكون كما في الشبكة من الخيوط وذلك ليطول تردد الدم في هذه الطبقة فتحيله إلى طبيعتها فتقرب بذلك من البياض ليصير مشابهاً بوجه ما للرطوبة الزجاجية‏.‏

والطبقة الثانية تبتدئ من طرف هذه الطبقة وتغشي ظاهر الجليدية وذلك لأن الرطوبة البيضية قد بينا أنها فضلة غذاء الجليدية وملاقاة الفضول دائماً‏.‏

ولا شك أنه مضر وذلك احتيج أن يكون بين الرطوبة الجليدية والرطوبة البيضية حاجز وذلك هو هذه الطبقة ولذلك جعلت هذه الطبقة مفرطة في الرقة عنكبوتية أي شبيهة بنسيج العنكبوت‏.‏

ولذلك تسمى طبقة عنكبوتية وإنما احتيج أن تكون كذلك مع أنها لو كانت غليظة لكانت أكثر حجباً للرطوبة الجليدية عن ملاقاة البيضية والسبب في ذلك أما عندهم فلتكون هذه الطبقة كثيرة التخلخل فلا يمنع نفوذ الضوء الحامل للشبح إلى الرطوبة الجليدية وأما عندنا فلتكون عندنا غير مانعة من نفوذ نور الرطوبة الجليدية إلى ما أمامها فتبطل فائدة الجليدية ولو كانت هذه الطبقة غليظة كثيفة الجرم ولهذه الطبقة فائدة أخرى وهي أنها لا تخلو من عروق دقاق وتلك العروق يكون ما فيها من الدم قد استحال إلى مشابهة الجليدية في الطبقة الشبكية وفي هذه الطبقة أيضاً فلذلك يكون ذلك الدم غير بعيد جداً عن جوهر الجليدية فلذلك ما يرشح من العروق التي في هذه الطبقة من الدم يصلح لغذاء الجليدية من قدامها فإن الرطوبة الزجاجية إنما تلاقيها من ورائها فيقل أيضاً ما يصل إليها من الغذاء إلى مقدم الجليدية فلذلك احتاج مقدم الجليدية إلى أن يأتيه الغذاء من هذه الطبقة العنكبوتية وإنما جعل بين الرطوبة الجليدية والبيضية هذه الطبقة ولم يحتج إلى طبقة أخرى بين الجليدية والزجاجية وذلك لأن الزجاجية لأجل غذاء الجليدية والأجاود أن يكون الغذاء ملاقياً للمغتذي ليسهل انفعاله منه فتستحيل إلى مشابهته بسهولة ولا كذلك البيضة فإنها والطبقة الثالثة‏:‏ هي الطبقة المشيمية ويحدث من الغذاء المشيمي وهو الغشاء الرقيق الكثير العروق وذلك من وراء الرطوبات وهذه الطبقة هي بالحقيقة الممددة للعين ولجميع أجزائها بالغذاء من قدام هذه الطبقة‏.‏

الطبقة العنبية‏:‏ وهي الطبقة الرابعة وهذه الطبقة ثخينة الجرم ظاهرها صلب لأنها تلاقي الطبقة القرنية وباطنها ألين وكأنه لحم إسفنجي لأنه ذو خمل وخشونة والمشهور أن فائدة ذلك أن يجد الماء المقدوح خشونة يتعلق بها ولا يعود إلى الحدقة‏.‏

وأما الحق‏:‏ فإن فائدة هذا الخمل أن يكون ما ينفذ إلى العين من الفضول يمنعه ذلك الخمل من الوصول إلى الحدقة وهذه الطبقة ذات لو ن إلى السواد ليكون بذلك جمع البصر وقوته‏.‏

فلذلك لا بد من أن تكون مثقوبة في وسطها وذلك هو موضع الحدقة‏.‏

إذ لو لا هذا الثقب لم ينفذ الشبح إلى موضعه وقد زيد في صلابة ما يحيط بهذا الثقب لئلا ينخرق هذه الطبقة هناك بسبب تمديد الأبخرة ونحوها مما نفذ إلى داخل تجويف العين‏.‏

والطبقة الخامسة‏:‏ تحدث من وراء الرطوبات من الغشاء الصلب فلذلك هذه الطبقة أصلب الطبقات الباطنة وفائدة ذلك أن تقوي العين على ملاقاة العظم ولا تضرر بصلابته وتسمى هذه الطبقة‏:‏ الطبقة الصلبة لأجل صلابتها ومن قدام هذه الطبقة الطبقة القرنية‏:‏ وهي‏:‏ الطبقة السادسة‏:‏ وسميت هذه قرنية لأنها تشبه القرن المرفق بالنحت وهي شديدة الإشفاف فلذلك ينفذ فيها الشعاع وهي أيضاً صلبة لأنها في ظاهر المقلة وأصلب أجزائها ما يحاذي منها الحدقة لأن هذا الموضع ليس وراءه ما يعتمد عليه عندما تصيب العين ضربة ونحوها‏.‏

وأما الطبقة الملتحمة‏:‏ فإنها تحدث من أجزاء الغشاء الظاهر وهو المغشي لظاهر الرأس وغيره ويسمى السمحاق فيحدث من تلك الأجزاء ومن لحم أبيض صلب غضروفي جرم هذه الطبقة وسميت ملتحمة لأنها كالملتحمة بالمقلة من خارجها وفائدة هذه الطبقة إفادة المقلة من خارجها رطوبة بما فيها من دسومة‏.‏

قوله‏:‏ وهي بالحقيقة كالمؤلفة من طبقات رقاق أربع أي‏:‏ الطبقة القرنية ذات طبقات أربع هي لها كالقشور المتراكبة بعضها فوق بعض من غير خلل بينها وفائدة ذلك أن تكون بعض هذه الطبقات قائماً مقام البعض إذا حدثت لذلك البعض آفة من حرق ونحوها‏.‏

واحتيج أن تكون أربعاً لأن ظاهر المقلة يحتاج أن يكون شديد الصلابة ليقوى على مقاومة المصادمات ونحوها كما قلنا وباطن هذه الطبقة يحتاج أن يكون إلى لين ليكون شيهاً لقوام ظاهر العنبية فإن ذلك الظاهر وإن كان صلباً فهو بالنسبة إلى ظاهر المقلة شديد اللين وإذا كان كذلك وجب أن يكون بين الطبقة الخارجة من هذه الغريبة والطبقة الداخلة منها متوسط بينهما في الصلابة واللين لئلا يتضرر الطبقة الداخلة بصلابة الطبقة الخارجة ويجب أن يكون هذا المتوسط طبقتين فإن الذي يجود ملاقاته للطبقة الداخلة لا يجود ملاقاته للطبقة الخارجة لأن التفاوت بينهما في الصلابة واللين كثير جداً‏.‏

فلذلك وجب أن يكون لهذه الطبقة أربعة قشور‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الرابع تشريح الأجفان والأهداب

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أما الهدب فقد خلقت لدفع‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح إن الإنسان ونحوه مما هو لين العين فإن عينيه يخشى عليهما من مصادمات الأجسام لها من خارج فلذلك جعلها الخالق تعالى من عظام ناتئة وهذه العظام إنما توقيها وقاية تامة من الأجسام العظيمة وأما ما صغر من الأجسام فلا كثير نفع لهذه العظام فيها فلذلك احتياجها إلى وقاية أخرى ولا يمكن أن يكون العينان دائماً مكشوفتين وإلا تعرضتا لملاقاة الآفات المؤذيات لهما ولا دائماً مغطاتين وإلا بطلت منفعتهما فلذلك احتيج إلى كشفهما وقتاً وذلك حين يراد الإبصار وإلى سترهما وقتاً وذلك حيث يراد صونهما عن المؤذيات وأما الواردة أو المخوف ورودها كما عند النوم فلذلك لا بد لهما من غطاء يزول تارة ويغطي تارة أخرى وهذا هو الأجفان ويكفي في ذلك حركة أحدهما دون الآخر وكل حيوان يبيض فإنه يحرك جفنه الأسفل وكل حيوان يلد فإنه يحرك جفنه الأعلى فلذلك الإنسان يحرك جفنه الأعلى فلذلك يحتاج إلى عضل يحركه هذا الجفن دون الأسفل فلذلك الجفن الأعلى في الإنسان ونحوه يزيد في أجزائه على الجفن الأسفل بالعضل المحرك له وبالجرم الذي يكون منه الشرناق‏.‏

ونحن قد بسطنا الكلام في ذلك حيث تكلمنا في العضل ويكون الجفن هو الغشاء المسمى بالسمحاق‏.‏

فإن هذا الغشاء إذا بلغ موضع الجفن الأعلى ينزل على العين يقدر يغطيها ثم انعطف إلى فوق فإذا لاقى المقلة تفرق في طبقاتها واحتشى لحماً أبيض صلباً وتكون منهما الطبقة الملتحمة ثم إن هذا الجفن لكثرة حركته خيف عليه أن يفرط في التجفف فخلق بين طبقاته غشاء شحمي وذلك هو الجرم الذي إذا عظم جداً كان من الشرناق واحتيج إلى أن يحفظ للطي على هيئته فلا تتغير وضع طاقيته فخلق في طرف هذا الطاق جرم غضروفي دقيق وفيه تنبت الأهداب وجعل الوتر المحرك للجفن متصلاً بهذا الغضروف ليكون إذا حركه تحرك بسبب ذلك جميع الجفن من غير أن يمتد موضع الوتر فقط‏.‏

وأما الجفن الأسفل فإنه أيضاً يتكون من السمحاق وذلك بأن يصعد من فوق عظم الوجنة فإذا غشي بعض المقلة انعطف إلى أسفل فإذا لاقى المقلة حدث منه ومن اللحم الأبيض الطبقة الملتحمة كما ذكرنا‏.‏

وخلق أيضاً في طرف عطفة الجرم الغضروفي ليحفظ وضع ذلك العطف وليكون مغرسٍ الهدب صلباً لما نذكره من منافع ذلك وهذا الجفن أصغر كثيراً من العالي لأنه لو كان عظيماً كالعالي لحبس الغذى الذي بينه وبين المقلة ولا كذلك العالي فإن حركته تدفع القذى والذي نحوه إلى أسفل فيظهر القذى ويخرج وهدب الجفن الأسفل منقلبة إلى أسفل لأنها لو كانت منتصبة على الاستقامة لمنعت نزول ما ينزل عليها من الغبار ونحوه وحبسته أمام المقلة ولو كانت منتصبة إلى فوق لأضرت بالإبصار فلذلك خلقت منعطفة إلى أسفل فإن ذلك أمنع لتصعد ما من شأنه التصعد إلى المقلة‏.‏

وأما هدب الجفن الأعلى فإنها لو كانت منعطفة إلى فوق لحبست ما ينزل إلى العين عندها ولو كانت مسترسلة إلى أسفل لأضرت بالإبصار فلذلك خلقت منتصبة إلى قدام ولولا صلابة مغرس هذه الأهداب في الجفنين لكانت تكون كما في الشعور مسترخية ولذلك جعل مغرسها في الجرم الغضروفي الذي ذكرناه ثم جعل هذا الجرم منثقباً لأنه لو كان مصمتاً لكان ما يحصل من الفضول بين الطاقين يحتبس بينهما ويضر بالجفن فلذلك خلق ذلك الجرم منثقباً ولذلك يخرج من طرف الجفن الرمص ونحوه‏.‏

ولأجل صلابة مغرس الأهداب ويبوسته قل جداً ما ينفذ في الشعر من الرطوبة فلذلك جميع الشعور تشيب في الكبر إلا هذه الأهداب لأن بياضها شديد الإضرار

  فصل تشريح الأذن

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه اعلم أن الأذن عضو خلق‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح كل حيوان يلد فله أذن بارزة ولا كذلك الحيوان الذي يبيض وذلك لأن آلة السمع تحتاج إلى صلابة ولذلك جعل عصبها من الزوج الخامس وجعل منفذها من العظم الحجري كل ذلك لتكون هذه الآلة صلبة وذلك لأن هذه الصلابة تعين على الصوت بقرع الهواء الحامل للصوت لها ولذلك فإن ما كان من الحيوان كثير الرطوبة حتى لا تكون هذه الآلة فيه شديدة الصلابة فإن ما كان سمعه لا يخلو من ضعف ولذلك خلق الإنسان يستعين على جودة سمعه بالأذن البارزة فإن هذه تعين على السمع بجمعها للهواء وكذلك الحيوان الكثير اليبوسة فإن سمعه لقوته يستغني عن تقوية هذه الآلة للسمع فلذلك كل حيوان يلد وله أذن بارزة لأن الحيوان إنما يلد إذا كان كثير الرطوبة حتى يمكنه أن يمد الجنين بالغذاء من رطوبة بدنه إلى أن يعظم وكل حيوان يبيض فإن لا أذن له بارزة‏.‏

فإن الحيوان إنما يبيض إذا كان بدنه قليل الرطوبة جداً حتى لا يكون فيه من الرطوبة ما يمد الجنين بالغذاء مدة تكونه‏.‏

وليس لقائل أن يقول‏:‏ لو كان الأمر كذلك لكان السمك أولى بأن تكون له أذن بارزة وبأن يلد لأن رطوبات السمك كثيرة إلا أن نقول إن السمك لا شك أن رطوبة أعضائه كثيرة ولكن ليس في بدنه رطوبات تفضل لغذاء الجنين ولذلك فإن دمه قليل جداً وسبب ذلك أن جميع ما يرد إليه من الرطوبات فإنه ينصرف إلى تغذية أعضائه فلا تبقى في بدنه رطوبة تستحق أن يندفع عنه إلى غذاء غيره أو إلى غير ذلك بخلاف الماشية ونحوها‏.‏

وكل حيوان له أذن بارزة فإنه يحركها ليتوصل بذلك إلى جميع الهواء الحامل للصوت إلى جميع الجهات اللهم إلا كثيراً من أشخاص الإنسان فإنهم لا يحركون آذانهم‏.‏

وسبب ذلك أن الإنسان يسهل عليه توجيه ثقب أذنه إلى جميع الجهات لأجل سهولة حركة رأسه لذلك ولا كذلك غيره من الماشية ونحوها وكذلك كل حيوان له أذن بارزة غير الإنسان فإن أذنيه تكونان فوق رأسه وذلك لأجل طأطأة رأسه خاصة عند المرعى ونحو ذلك بخلاف الإنسان فإن أذنيه في وسط جانبي رأسه وذلك لأن الإنسان يسهل عليه تحريك رأسه إلى جميع الجهات‏.‏

وقوله‏:‏ وجعل له صدف معوج ليحبس جميع الصوت أما فائدة صدفة الأذن فليكون له آلة لجمع الصوت كما في رأسي الباذهنج‏.‏

وأما فائدة تعويجه وتعريجة فليكون ما يقع في داخل هذه الصدفة ممنوعاً فيها من التعريج عند دخول ذلك الشيء في ثقب الأذن‏.‏

وذلك لأجل احتباسه في ذلك التعريج‏.‏

قوله‏:‏ وهذه العصبة في أحوال السمع كالجليدية في أحوال الإبصار هذا بناء على قولهم إن وقوع أشباح المرئيات هو على سطح الجليدية ونحن قد أبطلناه‏.‏ وألفاظ باقي الفصل ظاهرة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تشريح الأنف

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه تشريح الأنف يشتمل‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح الأنف مخلوق لكل حيوان يتنفس الهواء وذلك كل حيوان له رئة ويختص الإنسان بأن أنفه بارز من بين عينيه ليكون وقاية لهما مما يرد إلى العين من جهة الأنف ومنقار الطير يقوم له مقام الأنف‏.‏

وأما الفيل فلما كان حيواناً عظيم الجثة جداً وكان ارتفاعه كثيراً لم يكن أن يكون له عنق إذ لو كان له عنق لاحتاج أن يكون طويلا جداً ليصل رأسه إلى الأرض لأجل الرعي ونحوه‏.‏

ولو كان كذلك لم يتمكن من حمل رأسه فلذلك جعل عديم العنق فلذلك تعذر تصويته من فمه وتعذر أكله بدون شيء ممتد يصل إلى الأرض ليأخذ به الغذاء من العشب وذلك الممتد يمكن أن يكون آلة يتنفس بها فلذلك خلق الخرطوم وذلك الخرطوم هو له أنف ومع ذلك فقد جعل آلة يتناول بها ما يتناوله بنفسه أو بشأن وجعل طرفها صلباً ليتمكن به من قطع العشب وغيره فلذلك أنف الفيل يقوم له مقام اليد ومأخذه خرطومه يوصله إلى فمه وهو في أعلى فمه ومن خصائص الإنسان أنه أضعف الحيوان شماً فلذلك هو محتال على إدراك الرائحة بالتبخر والتسخين بسبب الحك ونحوه والأنف يبتدئ من أسفل واسعاً ثم يتضايق إلى فوق أما سعته من أسفل فليأخذ هواءً كثيراً وأما ضيقه في أعلاه فليمكن ما يصحب الهواء المستنشق من النسيم ونحوه من النفوذ إلى داخل وإنما ابتدأ من أسفل إلى فوق ولم يحصل أو له فوق بحذاء آلة الشم وذلك ليكون الهواء المجذوب إلى الرئة صعود ونزول معين على انجذابه وكذلك لاستحالة الخلاء وهذا كما في الأنابيب التي تعمل لانجذاب الماء فيها لأجل استحالة الخلاء وعند أعلى الأنف منفذان دقيقان جداً ينفذان إلى داخل العينين بحذاء الموق الأعظم وفيهما تنفذ الروائح الحادة وغيرها إلى داخل العينين ولذلك تتضرر العينان برائحة الصنان القوي ولذلك أيضا تدمع عند شم مثل البصل ومن هذين المنفذين تندفع الفضول الغليظة التي في داخل العينين وهي التي تغلظ عند الاندفاع بالدموع‏.‏

وإذا حدث لهذين المنفذين انسداد كما عند الغرب كثرت الفضول في العينين ولذلك تكثر أمراضها حينئذٍ وإذا انتهى الأنف إلى أعلاه انقسم المجرى هناك إلى ثلاثة أقسام‏:‏ قسم واحد غليظ متسع ينحدر مؤرباً إلى آخر فضاء الفم وفيه ينفذ الهواء إلى الحنجرة وقصبة الرئة ثم إلى الرئة وقسمان دقيقان يصعد منهما الهواء إلى عظام المصفاة المثقبة ومن هناك إلى داخل الأم الجافية في ثقوب الأم الجافية محاذية لثقوب تلك العظام ومن هناك تنفذ إلى الزائدتين الشبيهتين بحلمة الثدي اللتين في مقدم الدماغ وفي كل واحدة من تلك الزائدتين ثقب دقيق جداً يفضي إلى داخل الدماغ فلذلك فإن الروائح لها تأثير قوي في الدماغ وذلك لأجل نفوذها صحبة الهواء المستنشق في هذين الثقبين إلى داخل الدماغ‏.‏

ومما يدل على أن إدراك الرائحة هو بهاتين الزائدتين أن الهواء المخالط للرائحة وإن كثرت تلك الرائحة وقويت فإن تلك الرائحة إنما تدرك إذا استنشق ذلك الهواء حتى بلغ هناك ولو كان إدراك الرائحة هو بالمنخرين لكنا ندرك تلك الرائحة بدون الاستنشاق وذلك إذا امتلأ المنخران من الهواء الحامل لتلك الرائحة ومن ذينك الثقبين تندفع الفضول من البطن المقدم من الدماغ إلى حيث ينتهي إلى الأنف في التصعيد فينزل بعضها في مجرى الحنك إلى فضاء الفم وبعضها يخرج من الأنف وباقي ألفاظ هذا الفصل ظاهرة المعنى‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل الفم واللسان

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه والفم عضو ضروري‏.‏

إلى قوله‏:‏ يتوزع منهما العروق والكثير يسميان الصردين‏.‏

الشرح كل حيوان يتنفس بالاستنشاق للهواء فإنه إنما يتنفس من أنفه فقط إلا الإنسان فإنه يتنفس من أنفه ومن فمه‏.‏

وسبب ذلك أن الإنسان يحتاج كما بيناه أو لاً إلى الكلام وهو إنما يتم بتقطيع حروف يحتاج فيها إلى خروج هواء بعضه من الأنف وبعضه من الفم وإنما يتم ذلك إذا كان دخول الهواء هو أيضاً من هذين العضوين فلذلك يمكن للإنسان من التنفس وهو مطبوق الفم‏.‏

ويتمكن أيضاً من الكلام وهو مطبوق الأنف‏.‏

ولا كذلك غيره من الحيوانات المتنفسة وقد فتح بيطار فم فرس بآلة سدت منخريه فمات في الوقت‏.‏

وقد بينا فيما سلف السبب في أن الحيوان يكتفي بفم واحد يدخل فيه الغذاء ولا كذلك النبات فإنه يحتاج إلى أفواه كثيرة جداً وهي أطراف أصوله لأنه يأخذ الغذاء بالإرادة وينقله إلى فمه فلذلك يكتفي بواحد ولا كذلك النبات فإنه يأخذ الغذاء بالطبع وبالجذب الطبيعي فيحتاج إلى أفواه كثيرة حتى إذا تعذر الجذب ببعضها لأجل عوز المادة ونحو ذلك يمكن من ذلك الجذب بالباقي وما كان من الحيوان أن يمضغ المأكول قبل بلعه فإنه لا يحتاج إلى سعة كبيرة في فمه وفي مجرى الغذاء منه إلى داخله ولا كذلك ما يبلع المأكول بدون تصغير الإنسان وحده غير محتاج إلى قوة حركة فكه للعض ونحوه بخلاف باقي الحيوان فإن منها ما يحتاج إلى ذلك ليكون فمه كالسلاح له ومنها ما يحتاج إلى ذلك ليكون قبضه على الصيد ونحوه قوياً ومنها ما يحتاج إلى ذلك لأجل حاجته إلى تكسير مأكوله بفمه ونحو ذلك وأما الإنسان فإنه لما كان يتخذ الغذاء بالصناعة ليستغني عن ذلك كله فلذلك فكه المتحرك أخف وأضعف حركة من غيره‏.‏ وجميع الحيوان يحرك فكه الأسفل إلا التمساح فإنه يحرك فكه الأعلى‏.‏

وقد بينا السبب في ذلك كله عند كلامنا في تشريح العظام وجميع آلات الحواس فإن كل آلة منها تزيد على واحدة وكذلك اللسان أيضاً ولكن اللسان اختص بأن فرديه ملتصق أحدهما بالآخر ولا كذلك لسان بعض الحيات فإنه مقسوم فيها باثنين وإنما اختص اللسان بالتصاق أحد فرديه بالآخر لأنه لو بقي على حاله مقسوماً بإثنين كما في تلك الحيات لزم ذلك عسر المضغ‏.‏

وكان الكلام يختل في الإنسان فلذلك لصق فرداه وجعل لساناً واحداً وألسنة الأجنة بيض الألوان لأن لحم اللسان كذلك وإنما يحمر اللسان بعد الولادة وذلك لما يلزمه من الدم في العروق المنبثة فيه‏.‏ وألفاظ الكتاب ظاهرة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  فصل تشريح أعضاء الحلق

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه نعني بالحلق الفضاء الذي فيه مجرى النفس‏.‏

إلى قوله‏:‏ وأما القصبة والمريء فنذكر تشريحها من بعد‏.‏

الشرح الحلق كما قاله هو الفضاء الذي فيه مجرى النفس والغذاء وفيه اللهاة واللوزتان والغلصمة وأما الفم فهو مقدم الحلق وأسفله فلذلك يعد اللسان من أجزاء الفم الأعلى لا من أجزاء الحلق وأعني الحنك وهو سقف الحلق واللهاة عضو مستطيل أعلاه متصل بسقف الحلق وأسفله يحاذي الحنجرة وفي طرفه الأسفل جرم مستدير كالكرة وجوهرة جوهر لحمي عصبي والمنافع المشهورة له ثلاث وقد ذكرها الشيخ‏.‏

وأما اللوزتان فهما النغانغ وتسمى أصول الأذنين ويقال لهما في العرف العام نبات الأذنين وهما عضلتان في جانبي الحلق‏.‏

وقد عرفناهما وعرفنا منافعهما وذلك عند كلامنا في العضل فليرجع ولقائل أن يقول‏:‏ كيف يجوز أن يعد هذان العضوان من العضل وليس شيء منهما يحرك البتة عضواً من الأعضاء وجوابه‏:‏ أنه ليس من شرط العضل أن يكون محركاً لعضو ما بل أن يكون من شأنه تحريك شيء ما وإن لم يكن ذلك الشيء عضواً وهاتان العضلتان تعينان على تحريك الممضوغ وتبليغه إلى فم المريء وذلك أنهما يتشبثان بالأغذية ويدفعانها إلى ذلك الموضع ولذلك إذا عرض لهاتين العضلتين آفة تضعف فعلهما يعسر حينئذٍ نفوذ الأغذية إلى المريء وذلك كما إذا أصابها يبوسة شديدة ونحوها‏.‏

فإن قيل‏:‏ إن هذا يتم ولو كان جوهرها من لحم وعصب فقط ولا يلزم أن يكونا عضلتين فإن العضل لا بد في تحقيقه من عصب ورباط‏.‏ ولحم جاسي لما يثير ذلك من خلل‏.‏

قلنا‏:‏ مسلم أن هذا الفعل يتم وإن لم يكن في جوهر هذين رباط ولكن ذلك الفعل يكون ضعيفاً فإن العصب إنما يقوى فعله في التحريك إذا كان معه أجزاء رباطية فلذلك هذان العضوان إنما يشتد فعلهما ويقوى إذا كانا عضلتين ومن منافعهما أيضاً أنهما يكملان تكون الصوت ويقويانه وذلك لأنهما يضيقان ما يحاذي فم الحنجرة فإذا خرج الهواء من الحنجرة خرج من متسع إلى موضع ضيق ثم بعد ذلك الموضع إلى فضاء الحلق ولذلك يشتد الصوت ويقوى ولذلك فإنما يعرض لهاتين العضلتين من الآفات يلزمها تغير في الصوت وتعسر في بلع الأغذية‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏